والمضمضة والاستنشاق يجبان في الوضوء.
والغسلُ عند أحمد وإسحاق وعند الشَّافِعِيِّ لا يجبان بناء على أنهما من الباطِنِ، ولو نبت للمرأة لحية؟ وجب إيصال الماء إلى جلدَةِ الوجه، وإن كانت كثيفة.
قوله [ سبحانه ] :﴿ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المرافق ﴾.
في « إلى » هذه وجهان :
أحدهما : أنَّها على بابها من انتهاء [ الغاية ]، وفيها حينئذٍ خلاف.
فقائل : إن ما بعدها لا يدخُلُ فيما قبلها.
وقائل بعكس ذلك.
وقائلٌ : لا تعرض لها في دخول ولا عدمه، وإنَّما [ يدور ] الدخول والخروج مع الدَّليل وعدمه.
وقائل : إن كان ما بعدها من جنس ما قبلها [ دخل ] في الحكم، وإلاَّ فلا، ويُعْزَى لأبي العبَّاس.
وقائل : إن كان ما بعدها من غير جنس ما قبلها لم يدخل، وإن كان من جنسه، فيحتمل الدخول وعدمه.
وأوَّلُ هذه الأقوال هو الأصَحُّ عند النُّحاة.
قال بعضهم : وذلك أنَّا حيث وجدنا قرينة مع « إلى »، فإن تلك القرينة تقتضي الإخراج مما قبلها، فإذا ورد كلام مجرد عن القرائن، فينبغي أن يحمل على الأمر الفاشي الكثير، وهو الإخراج، وفرق هذا القائل بين « إلى » و « حتّى » فجعل « حتى » تقتضي الإدخال، و « إلى » تقتضي الإخراج بما تقدَّم من الدَّليل.
[ وهذه الأقوال دلائلها في غير هذا الكتاب، وقد أوضحتها في كتابي « شرح التسهيل » ].
والوجه الثاني : أنَّهَا بمعنى « مع » أي : مع المرافِقِ، وقد تقدَّمَ الكلامُ في ذلك عند قوله :« إلى أمْوالِكُمْ ».
و « المرافِق » جمع « مَرْفِق » بفتح الميم وكسر الفاء على الفصيح من اللغة، وهو مِفْصَلٌ بين العَضُدِ والمِعْصَمِ.
فصل
ذهب أكثرُ العلماء إلى وجوب غسلِ اليديْنِ مع المرفقين والرجلين مع الكعبين. وقال مالكٌ والشعبيُّ ومُحمَّد بنُ جرير وزفَرُ : لا يجب غسلُ المرفقين والكعبين في اليد والرجّل؛ لأن حرف « إلى » للغاية، والحدّ لا يدخل في المحدود، وما يكون غاية للحكم يكون خارجاً عنه كقوله :﴿ أَتِمُّواْ الصيام إِلَى الليل ﴾ [ البقرة : ١٨٧ ].
والجوابُ : أنَّ حدَّ الشيء قد يكون منفصلاً عن المحدود بمقطع محسوس، فها هنا يكون الحد خارجاً عن المحدود كقوله :﴿ أَتِمُّواْ الصيام إِلَى الليل ﴾ [ البقرة : ١٨٧ ] فإنَّ النَّهار مُنفَصِلٌ عن الليل انفصالاً محسوساً، وقد لا يكون منفصلاً كقولك :« بعتك هذا الثوب من هذا الطرف إلى ذلك الطرف »، فإن طرف الثوب غير منفصل عن الثوب بمقطع محسوس فإذا كان كذلك فامتياز المرفق عن السَّاعد ليس له مفصل معين؛ فوجب غسله.
وثانياً : سلّمنا أنّ المرفق لا يجب غسله، إلاَّ أنَّ المرفقَ اسم لما جاوز طرف العظم؛ لأنَّهُ هو الذي يرتفق به أي يتَّكِئ عليه، ولا نِزَاع أنَّ ما وراء طرف العظم لا يجب غسله، قاله الزجاج.