« ورب الشياطين ومن أضللن » لعوده على جماعة الإناث، فَلأنْ يعودَ كذلك على جمع التكسير المشتمل على الإناث بطريق الأوْلى [ والأحرى ]، وهذا معنى قول أبي حيَّان : وفيه نَظَرٌ لأن عوده هناك كضمير الإناث إنما كان لمعنى مفقودٍ هنا وهو طلب المشاكلة لأنَّ قبله « اللهم رب السموات ومن أضللن الأرضين وما أقللن » ذَكَر ذلك النحويون.
وقيل : الضَّمير يعود على المتروكات أي : فإن كانت المتروكات، وَدَلَّ ذِكْرُ الأولاد عليه، قاله أبُو البقاء ومكيٌّ وقدَّره الزمخشريُّ : فإنْ كانت البنات أو المولودات.
فإذا تقرر هذا ف « كُنَّ » كان واسمُها و « نسَاءٌ » خبرها، و « فوق اثنتين » ظرف في فائدةٌ، ألا ترى أنَّه لو قيل :« إنْ كان الزيدون رجالاً كان كذا » لم يَكُنْ فيه فائدةٌ.
وأجاز الزَّمخشريُّ في هذه الآية وَجْهين غريبين :
أحدهما : أن يكون الضمير في « كُنَّ » ضميراً مبهماً، و « نساء » منصوبٌ على أنَّهُ تفسيرٌ له يعني : تمييزاً، وكذلك قال في الضَّمِير الَّذي في « كَانَتْ » من قوله :﴿ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً ﴾ على أنَّ « كن » تَامَّةٌ. والوجه الآخر : أن يكون « فوق اثنتين » خبراً ثانياً ل « كُنَّ » وَرَدَّهما عليه أبو حيّان : أمَّا الأوَّلُ : فلأنَّ « كانَ » ليْسَتْ من الأفعالِ الَّتي يكونُ فاعلُها مضمراً يُفَسِّره ما بَعْدَهُ بل هذا مختصٌّ من الأفعال ب « نعم » و « بئس » وَمَا جَرَى مَجْرَاهُمَا وبَابُ التنازع عند إعْمَالِ الثاني، فَلِمَا تَقَّدَمَ من الاحتياج إلى هذه الصفةِ؛ لأنَّ الخبرَ لا بُدَّ أنْ تَسْتَقِلَّ به فَائِدةُ الإسناد، وَقَدْ تَقَدَّمَ أنَّهُ لو اقتصر على قوله « فإن كن نساء » لم يُفِدْ شيئاً؛ لأنَّهُ مَعْلُومٌ.
قوله :﴿ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ﴾ قرأ الجمهور « ثلُثا » بضمِّ اللام، وهي لغة الحجاز وبني أسد.
قال النَّحَّاسُ : من الثُّلث إلى العشر.
وقرأ الحسن ونعيمُ بن ميسرةَ « ثُلْثا » و « الثُّلْثُ » و « النِّصْفُ » و « الرُّبْع » و « الثُّمْنُ » كلُّ ذلك بإسكان الوسط.
وقال الزَّجَّاجُ : هي لغة واحدة، والسُّكونُ تخفيف.
فصل
بَيَّنَ في هذه الآية ما إذا كانوا إناثاً فقط، فقال :﴿ فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ اثنتين فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النصف ﴾، إلا أنَّه تعالى لم يَبيِّن حُكْمَ الْبِنْتَين تصريحاً، واختلفوا فيه : فعن ابن عبَّاسٍ أنَّهُ قال : الثُّلثان فرض الثلاث من البنات فصاعداً، وأمَّا فرض البنتين فهو النّصف؛ لهذه الآية؛ لأنَّ لفظة « إن » في اللُّغة للاشتراط، وذلك يدلُّ على أن أخذ الثُّلثي مشروطاً بكونهن فوق الاثنتين وهو الثلاث فصاعداً.
والجواب من وجوه :
الأول : قوله تعالى :﴿ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النصف ﴾ فجعل حصول النّصف مشروطاً بكونها واحدةً، وذلك ينفي حصول النّصف نصيباً للبنتين وقد جعل النّصف نصيبَ البنتين، فهذا لازم لَهُ.