قوله :﴿ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ ﴾ مبتدأ، و ﴿ لاَ تَدْرُونَ ﴾ وما في حَيِّزه في محلِّ الرفع خبراً له.
و ﴿ أَيُّهُمْ ﴾ فيه وجهان :
أشهرهُمَا :[ عند المعربين ] أني كونَ ﴿ أَيُّهُمْ ﴾ مبتدأ وهو اسم استفهام، و « أقربُ » خَبَرُهُ، والجملة من هذا المبتدأ وخبره في محلِّ نصب ب « تدرون » ؛ لأنَّهَا من أفْعَالِ القُلُوبِ، فَعَلَّقَها اسمُ الاستفهامِ عَنْ أنْ تَعْمَلَ في لفظه؛ لأنَّ الاستفهامَ لا يعْمَلُ فيه ما قبله في غير الاستثبات.
والثَّاني : أنَّهُ يجوزُ أن يكون ﴿ أَيُّهُمْ ﴾ موصولةً بمعنى ﴿ الَّذِي ﴾ و ﴿ والأقربون ﴾ خبرُ مبتدأ مضمر، وهو عائدُ الموصولِ، وجازَ حذفه؛ لأنه يجوز ذلك مع « أي » مطلقاً : أي : أطالت الصِّلَةُ أم لم تَطُل، والتَّقدير : أيُّهم هو أقربُ، وهذا الموصول وَصِلَتُهُ في محلِّ نصب على أنَّهُ مفعول به، نَصَبَه ﴿ تَدْرُونَ ﴾، وإنَّمَا بُنِيَ لوجودِ شَرْطَي البناء، وهما : أنْ تُضافَ « أي » لفظاً، وَأنْ يُحْذَفَ صَدْرُ صِلَتِهَا، وصارت الآيةٌ نظيرَ قوله تعالى :﴿ ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ ﴾ [ مريم : ٦٩ ]، فصار التقدير : لا تدرون الذي هو أقربُ.
قال أبو حيَّان :« ولم أرهم ذكروه »، يعني هذا الوجه، ولا مانع منه لا من جهة المعنى، ولا من جهة الصِّنَاعة.
فعلى القول الأوَّلِ تكونُ الجملةُ سَادَّةً مَسَدَّ المفعولين، ولا حاجة إلى تقدير حذف.
وعلى الثَّاني يكونُ الموصولُ في محلِّ نصبٍ مَفْعُلاً أوَّلَ، ويكون الثَّاني محذوفاً، وبعدم الاحتياج إلى حَذْفِ المفعول الثَّاني، يترجَّحُ الوجه الأوَّلُ.
ثم هذه الجملةُ، أعني قوله :﴿ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ ﴾ لا محلَّ لها من الإعراب، لأنَّها جملة اعتراضية.
قال الزمخشريُّ، بعد ان حَكَى في معانيها أقوالاً اختار منها الأوَّلَ : لأنَّ هذه الجملةَ اعتراضيّة، ومن حقِّ الاعتراض أن يؤكِّد ما اعْتَرَضَ بينه وبين ما يناسِبُه.
يعني بالاعتراض : أنَّهَا واقعةٌ بين قصة المواريث، إلاَّ أنَّ هذا الاعتراض غيرُ مرادِ النحويين، لأنَّهُمْ لا يَعْنُون بالاعتراضِ في اصْطِلاحِهِمْ إلاَّ ما كان بين شيئين مُتَلاَزِمَيْنِ كالاعتراض بين المبتدأ وخبره، والشرط وجزائه والقَسَمِ وجوابه، والصِّلَةِ وموصولها.
فصل في معاني ﴿ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ ﴾
ذكر الزَّمخشريُّ في معانيها أقوالاً :
أحدها :-وهو الذي اختاره- أن جَعْلَها متعلَِّقة بالوصيَّة، فقال : ثم أكَّدَ ذلك -يعني الاهتمام بالوصيَّة- ورَغَّبَ فيه بقوله :﴿ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ ﴾ أي : لا تدرون مَنْ أنفع لكم من آبائكم وأبنائكم الذين يَمُوتون، أمَنْ أوْصَى منهم أم مَنْ لم يوص، يعني : أنَّ مَنْ أوصى ببعض ماله فعرَّضكم لثواب الآخرة بإمضاء وصيته فهو أقرب لكم نفعاً وأحضر جدوى ممن ترك الوصية فوفَّر عليكم عَرَضَ الدُّنيا، وجعل ثَوَابَ الآخرة أقرب وأحضر من عَرَضِ الدُّنيا ذهاباً إلى حقيقة الأمر؛ لأنَّ عَرَضَ الدُّنيا، وإن كان قريباً عَاجِلاً في الصُّورَةِ إلاَّ أنَّهُ بَاقٍ، وفي الحقيقة الأقربُ الأدنى.