لما بَيَّنَ سهام المواريث ذكر الوعد والوعيد، ترغيبا في الطَّاعة وترهيباً عن المعصية.
وقوله تعالى :﴿ تِلْكَ ﴾ إشارة إلى ما ذكر من المواريث؛ لأنَّ الضَّمير يعود إلى أقرب مذكورٍ.
وقيل : إشارة إلى كلِّ ما ذكر من أوَّلِ السُّورة إلى هنا من أحكام أموال اليتامى، والأنكحة، وأحكام المواريث، قاله الأصمُّ؛ لأنَّ الأقرب إذا لم يمنع من عوده إلى الأبعد وجب عوده إلى الكُلِّ؛ ولأنَّ المراد بحدود اللّهِ : الأحكام التي ذكرناها وبيَّنها، ومنه حدود الدّار؛ لأنَّها تميزها من غيرها.
قوله :﴿ وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ ﴾ وقوله :﴿ وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ ﴾.
قيل : مختصٌّ بمن أطاع أو عصى في هذه التَّكاليف المذكورة في هذه السُّورة.
وقال المحقِّقُون : بل هو عام؛ لأنَّ اللَّفظَ عامٌّ فيتناول الكُلَّ.
قوله :﴿ يُدْخِلْهُ ﴾ حَمَلَ على لفظ « مَنْ »، فَأفْرَدَ الضَّميرَ في قوله :﴿ وَمَن يُطِعِ الله ﴾ و ﴿ يُدْخِلْهُ ﴾ وعلى معناها، فجمع في قوله :﴿ خَالِدِينَ ﴾ وهذا أحسنُ الحَمْلَيْنِ، أعني : الحمل على الَّلفظ، ثم على المعنى، ويجوز العكس، وإن كان ابن عطيَّة قد منعه وليس بشيء لثبوته عن العرب، وَقَد تَقَدَّمَ ذلك مِرَاراً، وفيه تفصيلٌ، وه شروط مذكورة في كتب النحوِ.
قوله :﴿ خَالِدِينَ ﴾ في نصبه وجهان :
أظهرهما : أنَّهُ حال من الضمير المنصوب في ﴿ يُدْخِلْهُ ﴾ وَلاَ يَضُرُّ تَغَايُرُ الحال وصاحبها من حيث كانت جمعاً وصاحِبُها مفرداً، لما تقدَّم من اعتبار الَّلفْظِ والمَعْنَى وهي مقدّرة؛ لأنَّ الخلود بعد الدُّخول.
والثَّاني : أن يكون نَعْتاً ل ﴿ جَنَّاتٍ ﴾ من باب ما جَرَى على موصوفه لَفْظاً، وهو لغيره معنىً، نحو : مررت برجُلٍ قائمةٍ أمُّه، وبامرأة حَسَنٍ غُلامُها، ف « قائمة » وحسن وإن كانا جَارِيينِ على ما قبلهما لَفْظاً فهما لِما بَعْدَهما معنىً، وأجازَ ذلك في الآية الكريمة الزَّجَّاجُ وتبعه التبرِيزيُّ، إلاَّ أنَّ الصِّفة إذا جَرَتْ على غير مَنْ هي له وجب إبرازُ الضَّمير مطلقاً على مذهب البصريين ألْبسَ أو لم يُلْبَسْ.
وَأمَّا الكوفيين فيفصِّلون، فيقولون : إذا جرت الصِّفة على غير مَنْ هي له، فإنْ ألْبسَ وَجَبَ إبرازُ الضمير، كما هو مذهبُ البصريين؛ نحو :« زيدٌ عمرو ضاربُه هو »، إذا كان الضربُ واقعاً من زيد على عمرو، فإن لم يُلْبسْ لم يَجِبِ الإبرازُ، نحو :« زيدٌ هندُ ضاربُها »، إذا تَقَرَّرَ هذا فَمذهَبُ الزَّجَّاجِ في الآية إنَّمَا يتمشَّى على رأي الكوفيين، وهو مذهب حَسَنٌ.
واستدلَّ مَنْ نَصَرَ مذهب الكوفيين بالسَّمَاعِ، فمنه قراءة مَنْ قرأ ﴿ إلى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ ﴾ [ الأحزاب : ٥٣ ] بجر « غير » مع عدم بروز الضمير، ولو أبْرَزَهُ لقال : غير ناظرين إناه أنتم.
ومنه قول الآخر :[ البسيط ]

١٧٦٧- قَوْمِي ذُرَا المَجْدِ بَانُوهَا وَقَدْ عَلِمَتْ بِكُنْهِ ذَلِكَ عَدْنَانٌ وقَحْطَانُ
ولم يقل : بَانُوهَا هُمْ.


الصفحة التالية
Icon