« يَا أنيسُ امْضِ إلَى امْرأةٍ هَذَا فَإنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجمْهَا » ولم يأمره بالجلد، وعند أبي حنيفة التّغريب أيضا منسوخ في حقِّ البكر، وأكثر أهل العلم على أنَّهُ ثابت، وروى نافع عن ابن عمر أنَّ النَّبي ﷺ ضَرَبَ وغَرَّبَ وأن أبا بكر ضَرَبَ وغَرَّبَ.
واختلفوا في الإمساك في البيت هل كان حَداً فنسخ أم كان حبساً ليظهر الْحَدُّ؟ على قولين :
فقيل : هو توعد بالحد.
وقال ابن عبَّاسٍ والحسن : إنَّهُ حَدٌّ، وزاد ابن زيد أنَّهُمْ منعوا من النِّكاحِ حتّى يموتوا عقوبة لهم، لأنهم طلبوا النكاح من غير وجهه، وهذا يَدُلُّ على أنَّهُ كان حدّاً، بل أشد غير أنَّ ذلك الحكم ثابت محدود إلى غاية، وهو الأذى في الآية الأخرى على اختلاف التأويلين في أيّهما قبل، وكلاهما ممدود إلى غاية، وهو قول عليه السَّلام :« خُذُوا عضنِّي خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سبيلاً » الحديث وهذا كقوله تعالى :﴿ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصيام إِلَى الليل ﴾ [ البقرة : ١٨٧ ] فإذا جاء اللَّيْلُ ارتفع حكمُ الصِّيام إلى غايته لا لنسخه، هذا قول المحقِّقين المتأخِّرين، فإنَّ النَّسخ إنَّمَا يكون بين القولين المتعارضين اللَّذين لا يمكن الجمع بينهما والجمع ممكن بَيْنَ الحبس والتّغريب والجلد والرَّجم.
وقد قال بعضُ العلماء : إن الأذى والتغريب باقٍ مع الجلد؛ لأنَّهُمَا لا يتعارضان فيحملان على شخص واحد فأمَّا الحبس فمنسوخ بالإجماع، وإطلاق المتقدمين النّسخ على مثل هذا لا يجوز.
[ وقيل : إن المراد بقوله تعالى :﴿ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي البيوت حتى يَتَوَفَّاهُنَّ الموت أَوْ يَجْعَلَ الله لَهُنَّ سَبِيلاً ﴾ المراد أن يحبس كل من الرجل والمرأة في مكانه حتى يدركهن الأجل بالموت، أو يتبين الحمل فيجري عليهما حينئذ القصاص انتهى. والله أعلم ].