قال :﴿ النسآء ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : هُنَّ المفعول الأوَّل، والنساء على هذا هُنَّ الموروثاتُ، وكانت الجاهليّة ترث نساء آبائهم وَيَقُولُونَ : نحنُ أحقُّ بنكاحهنَّ.
والثاني : أنه المفعول الثّاني، والتّقدير : أن ترثوا من النّساء أي : أن ترثوهن كَارِهات، أو مكروهات، وقرأ الأخوان « كرهاً » هنا وفي « براءة » و « الأحقاف » بضمِّ الكَافِ، وافقهما عاصم وابن عامر في رواية ابن ذكوان عنه على ما يأتي في الأحقاف، والباقون بالفتح.
وقد تَقَدَّمَ في الكُره والكَره بمعنى واحد أم لا؟ في أوَّلِ البَقَرَةِ. ولا مفهوم لقوله ﴿ كَرْهاً ﴾ يعني فيجوز أن يرثوهن إذا لم يَكْرَهْن ذلك لخروجه مَخْرج الغالب.
قوله :﴿ وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ ﴾ فيه وجهان :
أظهرهُمَا : أنَّهُ مجزوم ب « لا » الناهية عطف جملة نهي على جملة خبريَّة فإنْ لم تشترط المناسبةُ بين الجُمَلِ كما هو مذهب سِيبَويْه -فواضحٌ، وَإن اشترطنا ذلك - كما هو رأي بعضهم- فلأن الجُمْلَةَ قبلها في معنى النهي إذ التَّقْديرُ :« ولا ترثوا النساء كرهاً » فإنَّهُ غير حلال لكم. وجعله أبُو البقاءِ على هذا الوجه مستأتفاً يعني أنَّه ليس بمعطوفٍ على الفعلِ قبله.
والثَّانِي : أجازه ابن عطية وَأبَو البَقَاءِ أن يكون منصوباً عطفاً على الفِعْلِ قبله.
وقال ابنُ عَطِيَّةَ : ويُحتمل أن يكونَ ﴿ تَعْضُلُوهُنَّ ﴾ نصباً عطفٌ على ﴿ تَرِثُواْ ﴾ فتكون الواو مشتركةً عاطفةً فِعْلاً على فعلٍ.
وقرأ ابْنُ مَسْعُودٍ :« ولا تعضلوهن » فهذه القراءة تقوّي احتمال النّصب، وأن العَضْلَ مَمَّا لا يَحِلُّ بالنص.
وردَّ أبو حيَّان هذا الوجه بأنَّكَ إذا عطفت فعلاً منفياً ب « لا » على مثبت وكانا منصوبين فَإنَّ النَّاصبَ لا يُقَدَّر إلاَّ بعد حرف العطف لا بعد « لا »، فإذا قلت : أريد أن أتوب ولا أدخل النار، قال التقدير : أريد أن أتوبَ و [ أنْ ] لا أدخل النار « ؛ لأن الفعل يطلب الأول على سبيل الثبوتِ، والثاني على سبيل النفي والمعنى : أريدُ التوبةَ انتفاء دخولي النار، فلو كان المتسلط على المتعاطفين نفياً فكذلك، ولو قدَّرْتَ هذا التقدير في الآية لم يصح لو قلت :» لا يحل أن لا تعضلوهن «، لم يصح إلاَّ أن تجعل » لا « زائدة لا نافيةً، وهو خلاف الظاهر، وأما أن تقدِّر » أنْ « بعد » لا « النافية فلا يَصِحُّ، وإذا قَدَّرتَ » أن « بعد » لاَ « كان من عطف المصدر المقدّر على المصدر المقدر، لا من باب عطف الفعل على الفعل، فالتبس على ابْنِ عَطِيَّة العطفان، وظَنَّ أنَّهُ بصلاحية تقدير » أن « بعد » لا « يكونُ مِنْ عَطْفِ الفعل على الفعل وفَرْقٌ بين قولِك » لا أريد أن تقوم إلا تخرج « وقولك : أرِيدُ أنْ تَقُوم ولا أنْ تَخْرُجَ، ففي الأول نَفَى إرادةَ وجودِ قيامه، وإرادة انتفاء خروجه، فقد أرادَ خروجه، وفي الثَّانية نَفَى إرادةَ وجودِ قيامه ووجودَ خروجه، فلا يريد لا القيام، ولا الخروج.


الصفحة التالية
Icon