قوله :﴿ أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً ﴾ استفهام إنكاري أي : اتفعلونه مع قبحه، وفي نصب ﴿ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً ﴾ وجهان :
أحدهما : أنها منصوبان على المفعول من أجله أي لبهتانكم وإثمكم.
قال الزمخشريُّ : فإن لم يكن عَرَضاً كقولك : قعد عن القتال جبناً.
وقيل : انتصب ينزع الخافض أي ببهتان.
والثاني : أنَّهُمَا مصدران في موضع الحال، وفي صاحبهما وجهان :
أظهرهُمَا : أنَّه الفاعل في أتأخذونه أي : باهتين وآثمين.
والثاني : أنَّهُ المفعول أي : أتأخذونه مبهتاً محيراً لشنعته، وقبح الأحدوثة عنه، والتقدير : تصيبون في أخذه بهتاناً، والبُهْتَانُ فُعْلان من البُهْتِ، وهو في اللغة : الكذب الذي يواجه به الإنسان صاحبه على وجه المكابرة، وأصله من بهت الرَّجُلُ إذا تحيَّر فالبهتان كذب يحير الإنسان لعظمه ثم جُعِلَ كُلُّ باطل يتحير من بطلانه بهتاناً، ومنه الحديث :« إذا واجهت أخاك بما ليس فيه فقد بَهَتَّهُ » ولقد تقدم الكلام عليه في البقرة.
وفي تسمية هذا الأخذ « بهتانا » وجوه :
أحدها : انَّهُ تَعَالى لما فرض لها ذلك المهر فأخذهُ؛ كَأنَّهُ يقول : ليس ذلك بفرض فيكون بُهْتَاناً.
وثانيها : أنَّ العقد يستلزم مهراً وتكفل بالعقد تسليم ذلك المهر إيلها ولا يأخذه منها، صار ذلك القول الذي عقد به العقد بهتاناً.
وثالثها : أنا ذكرنا أنه كان من عادتهم إذا أرادوا تطليق الزوجة رموها بفاحشة، حتى تخاف وتشتري نفسها منه بذلك المهر، فلما كان ذلك واقعاً على هذا الوَجْهِ في الأغلب جعل كأنه أخذه بهتاناً [ وإثماً ].
[ رابعها : أنَّه عقاب البهتان والإثم المبين فهو كقوله :﴿ إِنَّ الذين يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليتامى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً ﴾ [ النساء : ١٠ ].
وقوله :﴿ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ ﴾ تقدَّمَ الكلام في كيف عند قوله :﴿ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله ﴾ [ البقرة : ٢٨ ].
قوله :﴿ وَقَدْ أفضى بَعْضُكُمْ ﴾ الواو للحال، والجملة بعدها : في محل نصب، وأتى ب « قد » ليقرب الماضي من الحال، وكذلك « أخذن » وقد مقدرة معه لتقدم ذكرها، وأصل أفْضَى ذهب إلى فضاه أي ناحية سعته، يقال : فَضَى يَفْضُو فَضْواً، وأفضى : عن ياء أصلها واو.
وقال اللَّيْثُ : أفْضَى فلان إلى فلان أي : وصل إليه، وأصله أنه صار في فضائه وفرجته.
وقال غيره : اصل الإفْضَاءِ الوصول إلى الشيء من غير واسطة.
وللمفسرين في هذا الإفضاء قولان :
أحدهُمَا : قال ابن عباس : ومجاهد، والسدي أنَّهُ كناية عن الجماع وهو اختيار الزجاج، وابن قتيبة، ومذهب الشافعيّ؛ لأنَّ عنده أن الزوج إذا أطلق قبل المسيس فله أن يرجع في نصف المهر، وإنْ خلا بها.
والثاني : أنَّ الإفضاء هو الخلوة وإن لم يجامعها.
وقال الكلبي : الإفضاء ان يكون معها في لحاف واحد، جامعها أو لم يجامعها، وهذا اختيار الفراء، ومذهب أبي حنيفةَ؛ لأن الخلوةَ في الأنكحة الصحيحة تقرر المهر، واسْتَدَلُّوا على القول الأوَّّلِ بوجوهٍ :
أحدها : ما تَقَدَّمَ عن الليث : أنه يصير في فرجته وفضائه، وهذا المعنى إنَّمَا يحصل في الحقيقة عند الجماع.