وقد سقط ابنُ قَُتَيْبَة سقطةً فاحِشَةً حيث زعم أن « مُهَيْمِناً » مُصَغَّرٌ، وأنَّ أصلهُ « مُؤيْمِنٌ » تصغيرُ « مُؤمِن » اسمُ فاعلٍ، ثُم قُلبتْ همزتهُ هاءً ك « هَرَاق »، ويُعْزَى ذلك لأبِي العبّاس المُبَرّدِ أيضاً، إلاَّ أنَّ الزَّجَّاج قال :« وهذا حسنٌ على طريق العربية [ وهُو مُوافقٌ لِمَا جَاءَ فِي التفسيرِ مِن أنَّ معنى » مُهَيْمِن « : مُؤمِنٌ ». وهذا الذي قالَهُ الزَّجَّاجُ واسْتَحْسَنَهُ ] أنكره الناسُ عليه، وعلى المبرِدِ، وعلى مَنْ تَبِعَهُما.
ولما بلغ أبَا العباسِ ثَعْلَباً هذا القولُ أنكرَهُ أشدَّ إنْكَارٍ، وأنحى على ابن قُتَيْبَة، وكتب إليه : أن اتَّقِ الله فإن هذا كُفرٌ أوْ ما أشبههُ، لأنَّ أسماءَ الله - تعالى - لا تُصَغَّر، وكذلك كل اسمٍ مُعَظَّم شَرْعاً.
وقال ابنُ عطيَّة :« إنَّ النقَّاش حَكَى أنَّ ذلك لمَّا بلغ ثعلباً فقال : إنَّ ما قال ابنُ قُتَيْبَة رَدِيءٌ باطِلٌ، والوُثُوب على القرآنِ شديدٌ، وهو ما سَمِعَ الحديثَ مِنْ قويٍّ ولا ضعيفٍ، وإنَّما جمع الكتُبَ من هَوَسٍ غلبه ».
وقرأ ابنُ مُحيصن ومُجاهد :« وَمُهَيْمَناً » بفتح الميمِ الثانيةِ على أنَّه اسمُ مفعولٍ.
وقال أبُو البقاءِ : وأصلُ « مُهَيْمن » : مُؤيمنٌ؛ لأنه مُشْتَقٌّ من « الأمانة » ؛ لأنَّ المهيمنَ الشاهدُ، وليس في الكلام « هَيْمَنَ » حتى تكُون « الهاء » أصْلاً، وهذا الذي قالهُ ليس بِشَيءٍ لما تقدَّمَ مِنْ حِكايةِ أهْلِ اللُّغَةِ « هَيْمَنَ »، وغايةُ مَا في البابِ أنهم لم يستعمِلُوه إلاَّ مَزِيداً فيه الياءُ ك « بَيْطَر » وبابِهِ، بمعنى أنَّه حُوفِظَ عليه من التَّبْدِيلِ والتَّغْييرِ، والفاعلُ هو الله تعالى :﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [ الحجر : ٩ ] أو الحافظُ لهُ في كُلِّ بلدٍ، حتَّى إنَّه إذا غيَّرْتَ مِنْه الحَرَكَةَ تَنَبَّهَ لها الناسُ، ورَدُّوا على قارئها بالصوابِ.
والضميرُ في « عَلَيْه » على هذه القراءةِ عائدٌ على الكتابِ الأولِ، وعلى القراءة المشهورةِ عائدٌ على الكتاب الثاني.
وروى ابنُ أبِي نَجيح عَنْ مُجاهدٍ قراءتَهُ بالفتحِ، وقال :« معناه : مُحَمدٌ مؤتمنٌ على القرآنِ ».
قال الطَّبرِيُّ : فعلى هذا يكون « مُهَيْمِناً » حالاً من « الكَافِ » في « إليْك »، وطعنَ على هذا القولِ لوجود « الواو » [ في ] « ومهيمناً » ؛ لأنها عطفٌ على « مُصدِّقاً »، و « مُصدِّقاً » حالٌ مِنَ « الكِتاب » لا حَالٌ مِنَ « الكَافِ » ؛ إذْ لَوْ كان حالاً مِنْها لكان التركيبُ :« لِمَا بَيْنَ يَدَيْكَ » بالكَافِ.


الصفحة التالية
Icon