قوله تعالى :﴿ وَلَوْ شَآءَ الله لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾، أي : جماعة مُتَّفِقَة على شريعة واحِدة، أو ذَوِي أمة واحدة، أو دِين واحد لا اخْتِلاَف فيه.
قال أهل السُّنَّة : وهذا يدلُّ على أن الكُلَّ بِمَشِيئَةِ الله - تعالى -، والمعتزِلَة : حَمَلُوهُ على مَشِيئَة الإلْجَاء.
قوله تعالى :« ولَكِنْ لِيَبْلُوكُمْ » متعلِّق بِمَحْذُوف، فقدَّرَهُ أبو البقاء :« ولكن فرَّقكم لِيَبْلُوَكُم ».
وقدَّره غيره « ولكن لم يَشْأ جَعْلكم أمَّة واحِدة ».
قال شهاب الدين : وهذا أحْسَن؛ لدلالة اللَّفْظ والمعنى عليه.
ومعنى « لِيَبْلُوكُمْ » : ليختبركم، « فِيمَا آتَاكُم » : من الكُتُب وبيَّن لكم من الشَّرائع، فبيّن المُطِيع من العَاصِي، والمُوَافِق من المُخَالِف، « فاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ » فبادروا إلى الأعْمَال الصَّالحة قوله تعالى :﴿ إلى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ استئناف في معنى التَّعْليل لاستِبَاقِ الخَيْرَاتِ.
وهذه الجُملة تحتمل أن تكُون من بَابِ الجملة الفعليَّة أو الجملة الاسميَّة، كما تقدَّم في نظائره.
و « جَمِيعاً » حال من « كُمْ » في « مَرْجِعُكُمْ »، والعامل في هذه الحال، إمَّا المصْدر المضاف إلى « كُمْ »، فإنَّ « كُمْ » يحتمل أن تكون فاعِلاً، والمصدر يَنْحَلُّ لحرف مصدريٍّ، وفعلٍ مبنيٍّ للفاعل، والأصْلُ :« تُرْجَعُون جَمِيعاً »، ويحتمل أن تكون مفعُولاً لم يُسَمَّ فاعِلُه، على أنَّ المصدر يَنْحَلُّ لفعل مَبْني للمفعول، أي :« يُرْجِعُكُم الله »، وقد صرَّح بالمعْنَييْن في مواضع.
وإما أن يعمل فيها الاسْتِقْرارُ المقدَّر في الجارِّ وهو « إلَيْه » [ و « إليه مَرْجِعُكُمْ » يحتمل أن يكون من باب الجُمَل الفعليَّة، أو الجُمل الاسميَّة، وهذا واضح بما تقدَّم في نَظَائِره ] و « فَيَنَبِّئُكم » هنا من « نَبَّأ » غير مُتَضَمِّنَة معنى « أعْلَم »، فلذلك تعدَّتْ لواحد بِنَفْسِها، وللآخر بحرف الجرَّ.
والمعنى : فَيُخْبِركم بما لا تَشُكُّونَ معه من الجَزَاءِ الفاصِلِ بين محقكم ومُبْطِلِكُم، والمُراد : أنَّ الأمر سيؤول إلى ما يُزِيل الشُّكُوك.