فصل


قال المُفَسِّرُون - رحمهم الله - : عسى من اللَّه واجِب؛ لأنَّ الكَرِيم إذا طَمِعَ في خَيْر فعله، وهو بِمَنْزِلَةِ الوَعْدِ؛ لتعلُّق النَّفْسِ به ورَجَائِها له، قال قتادةُ ومُقَاتِل : فَعَسَى اللَّه أن يَأتِي بالقَضَاء الفَصْل من نَصْر مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم - على من خَالَفَهُ.
وقال الكَلْبِي والسُّدِّيُّ : فتح « مَكَّةَ »، وقال الضَّحَّاك : فتح قُرَى اليَهُود مثل خَيْبَر وفدك.
﴿ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ ﴾.
قال السُّدِّي : هي الجِزْيَة، وقال الحَسَن : إظْهَار أمر المُنَافِقِين والأحبار بأسْمَائهم والأمر بِقَتْلِهِم، وقيل : الخَصْبُ والسَّعَة للمُسْلِمِين، وقيل : إتْمَام أمْر محمَّد - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم -، وقيل :﴿ هذا عذابٌ أليم ﴾.
وقيل : إجْلاء بَنِي النَّضِير، « فَيُصْبِحُوا » أي : هؤلاء المُنَافِقِين ﴿ على مَآ أَسَرُّواْ في أَنْفُسِهِمْ ﴾ مِنْ مُوالاة اليَهُود ودسِّ الأخْبَار إليْهم « نَادِمِين » وذلك لأنهم كانوا يشكُّون في أمْرِ رسُول اللَّه - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم -، ويقولون : الظَّاهِر أنَّهم لا يتمُّ لهم أمْر، وأن الدولة والغلبَة تصير لأعْدَائه.
قوله تعالى :« فَيُصْبِحُوا » فيه وجهان :
أظهرهما : أنَّه منصوب عَطْفاً على « يأتي » المَنْصُوب ب « أنْ »، والذي يُسَوِّغُ ذلك وُجُود « الفَاء » السَّبَبِيَّة، ولولاَهَا لم يَجُزْ ذلك؛ لأن المعطُوف على الخبر خبر، و « أنْ يَأتِي » خبر « عَسَى »، وفيه راجعٌ عائِدٌ على اسْمِهَا.
وقوله :« فَيُصْبِحُوا » ليس فيه ضَمِيرٌ يَعُود على اسْمِهَا، فكان من حَقِّ المسألة الامْتِنَاع، لكن « الفَاء » للسسببِيَّة، فجعلت الجُمْلَتَيْن كالجملة الواحِدة، وذلك جَارٍ في الصِّلة نحو :« الذي يطير فيَغْضَبُ زَيْدٌ الذُّبابُ ».
والصِّفة نحو :« مررت بِرَجُلٍ يَبْكِي فَيَضْحَكُ عَمْرو »، والخبر نحو :« زيدٌ يبكي فيضحَكُ خالد »، ولو كان العَاطِفُ غير « الفَاء » لم يجُزْ ذلك.
والثاني : أنه منْصُوب بإضْمَار « أنْ » بعد الفَاءِ في جواب التَّمَنِّي قالوا :« لأن » عَسَى « تَمَنٍّ وتَرَجٍّ في حَقّ البَشَر ».
﴿ على مَآ أَسَرُّواْ ﴾ متعلِّق ب « نَادِمِين »، و « نَادِمِين » خَبر « أصْبَح ».
قوله تعالى :« ويَقُولُ » : قرأ أبُو عمرو، والكُوفِيُّون بالواو قَبْلَ « يَقُول » والباقُون بإسْقَاطِها، إلا أنَّ أبا عمرو نَصَب الفِعْلَ بعد « الوَاوِ »، وروى عنه عَلِيُّ بن نَصْر : الرَّفع كالكُوفِيِّين، فتحصَّلَ فيه ثلاث قراءات :« يَقُولُ » من غير واو [ « ويقول » بالواوِ والنَّصْب، ] « ويقول ] بالواو والرَّفع، فأمَّا قِرَاءة من قرأ » يَقُول « من غير واوٍ فهي جُمْلَة مُسْتأنَفَةٌ سِيقَتْ جواباً لِسُؤالٍ مُقَدَّر، كأنه لمَّا تقدَّم قوله تعالى :﴿ فَعَسَى الله أَن يَأْتِيَ بالفتح ﴾ إلى قوله » نَادِمِين «، سأل سَائِلٌ فقال : ماذا قال المُؤمِنُون حِينَئِذْ؟ فأجيب بِقَوْله تعالى :﴿ وَيَقُولُ الذين آمَنُواْ ﴾ إلى آخره، وهو واضح، و » الواو « سَاقِطَةٌ في مصاحِفِ » مَكَّةَ « و » المدينَةِ « و » الشَّام «، والقارئُ بذلك هو صاحِبُ هذه المصاحِف، فإن القَارِئين بذلك ابن كَثِير المَكِّي، وابنُ عَامِر الشَّاميُّ، ونافع المدنِي، فقراءتُهُمْ موافقة لَمصَاحِفِهم [ وليس في هذا أنهم إنما قرأوا كذلك لأجل المصحف فقط، بل وافقت روايتهم مصاحفهم ] على ما تَبيَّن غير مَرَّة، وأما قِرَاءة » الواو « والرَّفع فواضحةٌ أيْضاً؛ لأنَّها جملة ابْتُدِئَ بالإخْبَارِ بِهَا، فالواو اسْتِئنَافِيَّة لمجرَّدِ عَطْفِ جُمْلة على جُمْلة، و » الواو « ثابِتَةٌ في مصاحِفَ » الكُوفَة « و » المشرق «، والقارئُ بذلك هو صَاحِبُ ذلك المُصْحف، والكلام كما تقدَّم أيضاً.


الصفحة التالية
Icon