فصل


روى الزَّمخشري : أنَّه كان أهْلُ الرِّدَّة إحدى عشرة فرقة في عهد رَسُول الله - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم - بنو مدُلج [ ورئِيسُهم ] وهو « عَيْهَلة بن كعب » لقبه « ذُو الخِمَار » وهو الأسْوَد العَنْسي وكان كاهِناً - ادّعى النُّبُوّة باليمن، واستولى [ على بلادِها ] وأخرج عُمَّال رسول الله - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - مثل مُعَاذِ بن جَبَل وساداتِ اليمن، فأهلكه الله على يد « فَيْرُوز الدَّيْلَمِي »، فقتله وأخبر رسُول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم- ] من الغد، وأتَى خَبَرُه في آخِر رَبِيع الأوَّل، وبنو حنيفَة : قوم « مُسَيْلِمَة الكَذَّاب » ادَّعى النُّبُوَّة، وكتب إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - :« من مسيلمة رسُول الله إلى محمَّد رسول الله، أما بعد : فإن الأرْض نصفُهَا لك ونِصْفُها لِي »، فأجاب - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - من محمَّد إلى مُسَيْلمة الكذَّاب أما بعد :﴿ إِنَّ الأرض للَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ والعاقبة لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [ الأعراف : ١٢٨ ] فحارَبَهُ أبو بكر - رضي الله عنه - بجُنُود المُسْلِمين رضي الله عنهم - وقُتل على يَدِ وَحْشِيٍّ قاتل حَمْزة وقال : قَتَلْتُ خير النَّاسِ في الجاهليَّة، وشرَّ النَّاسِ في الإسلام أراد في جاهليَّته وفي إسلامه.
وبنو أسَد : قوم طُلَيْحة بن خُوَيْلِد ادّعى النُّبوة، فبعَثَ رسُول الله - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - خالداً فانْهَزَم بعد القِتَال إلى الشَّام، ثمَّ أسْلَم، وحَسُن إسلامه في عَهْد أبِي بكر - رضي الله عنه-، وفِزَارة : قوم عُيَيْنَة بن حِصْن، وغَطَفَان : قوم قُرَّة بن سلمة القُشَيْري، وبنو سَلِيم : قوم فُجاءَة بن عبد يَالِيل، وبنو يَرْبُوع : قوم مَالِك بن نُوَيْرة، وبعض بني تَمِيم : قوم سجاح بِنْت المُنْذِر التي ادَّعت النُّبُوَّة، وزوجت نفسها من مُسَيْلمة الكَذَّاب، وكِنْدة : قوم الأشعَث بن قَيْس، وبنو بكر بن وَائِل ب « البحرين »، وقوم الحَطْم ابن زَيْد، وكُفِيَ أمْرُهم على يد أبِي بكر - رضي الله عنه - وفرقةَ واحدةُ على عهد عُمَر - رضي الله عنه - غسان قوم جبلة بن الأيْهَمِ، وذلِك أنَّ جبلة أسلم على يد عُمَر رضي الله عنه كان يَطُوفُ ذاتَ يومٍ جارًّا رداءَهُ، فوطئ رَجُلٌ طرَفَ رِدائِه فغَضِبَ فَلَطَمُه، فتظلَّم إلى عمر - رضي الله عنه -، فقضى بالقِصَاص عليه، فقال : أنّا أشْتَرِيها بألْفٍ، فأبي الرَّجُل، فلم يَزَل يزيد في الفِدَاءِ حتى بلغ عَشْرَة آلاَف فأبى الرجل إلا القِصَاص، فاسْتَنْظَره [ عُمر ] فأنْظَرَهُ فَهَرَب إلى الرُّوم وارتد.
ومعنى الآية : يا أيُّها الذين آمنُوا من يتول منكم الكُفَّار، فَيَرْتَدَّ عن دينه، فليعلم : أنَّ الله تعالى يأتي بِقَوْم آخَرِين يتدينوا بهذا الدِّين على أبْلَغ الوُجُوه.


الصفحة التالية
Icon