و « أذلَّة » جمع ذَلِيل بمعنى متعطّف؛ ولا يُرَادُ به الذليل الذي هو ضعيف خَاضِعٌ مُهَان : ولا يجوز أن يكُون جمع « ذَلُول » ؛ لأن ذَلُولاً يجمع على « ذُلُل » لا على أذِلَّة، وإن كان كلام بَعْضِهِم يوهِمُ ذلك.
قال الزَّمَخْشَرِي : ومن زَعَم أنَّه من « الذُّل » الذي هو نَقِيضُ الصُّعُوبة، فقد غَبِيَ عن أن « ذَلُولاً » لا يُجْمَع على « أذِلَّة ».
و « أذلَّة » و « أعِزَّة » جمعان ل « ذلل » و « عَزِيز » وهما مِثَالا مُبَالَغَة، وعدَّى « أذلّة » ب « على » وإن كان أصْلُه أن يتعدّى باللاَّم لما ضُمِّن من معنى الحُنُوِّ والعطف، والمعنى : عَاطِفين [ على المؤمنين ] على وجه التَّذَلُّل والتَّواضُع، ويجُوزُ أن يكون المعنى أنَّهُم مع شَرَفِهم وعلو طَبَقَتِهِم وفَضْلِهِم على المُؤمنين خافِضُون لهم أجنحتهم؛ كقوله تعالى :﴿ أَشِدَّآءُ عَلَى الكفار رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [ الفتح : ٢٩ ] ذكر هَذَيْن الوَجْهَيْن الزَّمخْشَري.
قال أبو حيَّان : قيل :« أو لأنَّه على حَذْفِ مضافٍ، التَّقدير : على فَضْلِهِم على المُؤمِنِين، والمعنى : أنَّهُمْ يَذِلُّون، ويَخْضَعُون لمن فُضِّل عَلَيْه مع شَرَفِهِم وعلو مَكَانتهم ».
وذكر آيَة الفَتْح، وهذا هو قَوْلُ الزَّمَخْشَرِي بعينه، إلا أن قوله :« عَلى حَذْفِ مُضَافٍ » يوهم حَذْفه، وإقامَةِ المُضَاف إليه مَقَامَه، وهنا حَذفَ « عَلَى » الأولى، وحذف المُضَاف إليه، والمُضَاف معاً.
قال شهابُ الدِّين : ولا أدْرِي ما حَمَلَهُ على ذلك؟ ووقع الوصف في جانب المَحبَّة بالجُمْلَة الفِعْلِيَّة، لأنَّ الفِعْل يَدُلُّ على التَّجَدد والحُدُوثِ وهو مُنَاسِب، فإن مَحَبَّتَهُمْ لله - تعالى - تَجَدُّدُ طاعَاتِه وعبادَتِه كُلَّ وقت، ومحبَّةُ اللَّه إياهم تجد ثوابه وإنْعامه عليهم كُلَّ وَقْت، ووقع الوَصْفُ في جَانِبِ التَّواضُع للمُؤمنين والغِلْظَةِ على الكَافِرين بالاسْمِ الدَّال على المُبَالَغة، دلالة على ثُبُوتِ ذَلِك واسْتِقْرَاره، وأنه عَزِيزٌ فِيهِم، والاسْم يدلُّ على الثُّبُوت والاسْتِقْرار، وقدم الوصْفَ بالمحبَّة مِنْهم المتعلّق بالمؤمنين على وَصْفِهم المتعلِّق بالكَافرين؛ لأنه آكَدُ وألْزَمُ منه، ولِشَرفِ المُؤمِن أيْضاً، والجُمْهُور على جَرِّ « أذلَّةٍ » - « أعِزَّةٍ » على الوصف كما تقدَّم.
قال الزَّمَخْشري :« وقُرِئ » أذِلَّةً وأعِزَّةً « بالنَّصْب على الحَالِ ».
قلت : الذي قرأ « أذلَّةً »، هو عبد الله بن مَسْعُود - رضي الله عنه -، إلا أنَّه قرأ بَدَل « أعِزَّة » :« غُلظَاءَ على الكَافِرِين » وهو تفسيرٌ، وهي حال من « قَوْم »، وجازَ ذلك، وإنْ كان « قَوْم » نَكِرة لقُرْبِهِ من المَعْرِفة؛ إذ قد تُخَصَّصُ بالوَصْف.
فصل
معنى « أذِلَّة » أي : أرقَّاء رحماء، كقوله تعالى :﴿ واخفض لَهُمَا جَنَاحَ الذل مِنَ الرحمة ﴾ [ الإسراء : ٢٤ ] من قولهم دابَّه ذَلُولٌ، أي : تَنْقَادُ سَهْلةً، وليْسَ من الذُّل في شَيْءٍ ﴿ أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين ﴾ يُعَادُنهم ويُغَالِبُونهم، من قولهم : عَزَّه إذا غَلَبَه.