و « اللَّوْمَةُ » : المرَّة من اللَّوْمِ.
قال الزمخشري :« وفيها وفي التَّنْكِير مبالغتان، كأنَّه قيل :» لا يخافُون شيئاً قط من لَوْم أحَد من اللُّوَّام «، و » لومة « مصدر مُضاف لِفاعِلِه في المعنى.
فإن قِيلَ : هل يجُوزُ أن يكُونَ فاعِلُهُ مَحْذُوفاً، أي : لا يَخَافُون لَوْمَة لائِمٍ إيَّاهم؟
فالجوابُ أنَّ ذلك لا يجُوز عند الجُمْهُور؛ لأنَّ المصدر المحدُودَ بتاء التَّأنيثِ لا يَعْمَل، فلو كان مَبْنيّاً على التَّاء عمل، كقوله :[ الطويل ]

١٩٨٦- فَلَوْلاَ رَجَاءُ النَّصْرِ مِنْكَ وَرَهْبَةٌ عِقَابَكَ قَدْ كَانُوا لَنَا بِالْموَارِدِ
فأعمل » رَهْبَة « ؛ لأنه مَبْنِيٌّ على » التَّاء «، ولا يجُوز أن يعمل المَحْدُود بالتَّاءِ إلا في قَليلٍ في كلامهم؛ كقوله :[ الطويل ]
١٩٨٧- يُحَايِي بِه الْجَلْدُ الَّذِي هُوَ حَازِمٌ بِضَرْبَةِ كَفَّيْهِ المَلاَ وَهْوَ رَاكِبُ
يصف رَجُلاً سقى رَجُلاً مَاءً فأحْيَاهُ به، وتيمّم بالتُّراب.
والمَلاَ : التُّراب، فنصب »
المَلاَ « ب » ضَرْبة «، وهو مصدر محدُود بالتَّاء وأصل » لاَئِم « : لاَوِم؛ لأنه من اللَّوْم، فَأعِلَّ ك » قََائِم «.

فصل في معنى الآية


المعنى لا يخافُون في نُصْرة دِين اللَّه لَوْمة النَّاس، وذلك [ أنَّ ] المُنافِقِين يُرَاقِبُون الكفَّار ويَخَافُون لَوْمَهُم.
وروى عُبَادة بن الصَّامِت، قال : بايَعنا رسُول الله - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - على السَّمْع والطَّاعة، وأن نَقُوم للَّه وأن نقُول الحَقَّ حيث ما كُنَّا لا نخاف في اللَّهِ لَوْمَة لائِم.
قوله تعالى :»
وذلك « في المُشَار إليه ثلاثةُ أوجه :
أظهرُها : أنه جَمِيع ما تقدَّم من الأوْصَاف التي وُصِفَ بها القَوْم، من المحبّةِ، والذِّلَّة، والعِزَّة، والمُجَاهدة في سبيل الله، وانتِفَاء خوف اللاَّئِمَة من كل أحَدٍ، واسْمُ الإشارَة يَسُوغُ فيه ذلك، أعْنِي : أنه يقع بِلَفْظِ الإفْرَاد مُشَاراً به لأكثر مِنْ وَاحدٍ، وقد تقدَّم تَحْقِيقُهُ في قوله تعالى :﴿ عَوَانٌ بَيْنَ ذلك ﴾ [ البقرة : ٦٨ ].
والثاني : أنَّه مشار به إلى حُبِّ اللَّه لهم، وحُبِّهم لَهُ.
والثالث : أنَّه مشارٌ به إلى قوله :»
أذِلَّةٍ «، أي : لِينُ الجَانِب، وترك التَّرَفُّع، وفي هذين تَخْصِيصٌ غير وَاضِح، وكأنَّ الحَامِل على ذلك من مَجِيء اسمِ الإشَارَةِ مُفْرَداً.
و »
ذَلِك « مبتدأ، و » فَضْلُ الله « خبرُه.
و »
يُؤتِيهِ « يحتمل ثلاثة أوجُه :
أظهرُهَا : أنه خَبَرٌ ثانٍ.
والثاني : أنه مُسْتَأنف.
والثالث : أنَّه في مَحَلِّ نصب على الحَالِ، كقوله تعالى :﴿ وهذا بَعْلِي شَيْخاً ﴾ [ هود : ٧٢ ].

فصل


ومعنى الكلام : أنَّ الوصف بالمحبَّة، والذلَّة، والعِزَّة، والمُجاهَدَةِ، وانتِفَاء خَوْفِ اللاَّئمة حصل بِفَضْل اللَّه - تعالى -، وهذا يدلُّ على أنَّ طاعَات العِبَاد مَخْلُوقة للَّه تعالى، والمعْتَزِلَةُ يَحْمِلُونه على فِعْل الألْطَاف وهو بعيد؛ لأنَّ فعل الألْطَاف عامٌّ في حقِّ الكُلِّ، فلا بدَّ في التَّخْصِيصِ من مَزِيدِ فَائِدة.
ثم قال - عزَّ وجلَّ - :﴿ والله وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾، قالوا : فالوَاسِع إشَارَة إلى كمال المُقْدرة. والعَلِيم إشارةٌ إلى كمال العِلْم، ومن هذا صِفَتُه - سُبْحَانه وتعالى -، فلا يُعْجِزُه أنَّه سيجيء بأقْوَام هذا شأنْهُم.


الصفحة التالية
Icon