الوجه الثاني من أوجه النصب : أن يكون معطوفاً على « أنْ آمنَّا » أيضاً، ولكن في الكلام مضاف محذوف لصحة المعنى، تقديره :« واعتقاد أنَّ أكثركم فاسقون » وهو معنى واضح، فإنَّ الكفار ينقمون اعتقاد المؤمنين أنهم فاسقون.
الثالث : أنه منصوب بفعل مقدر، تقديره : هل تنقمون منا إلا إيماننا، ولا تنقمون فسق أكثركم.
الرابع : أنه منصوب على المعيَّة، وتكون « الواو » بمعنى « مع » تقديره :« وما تنقمون منا إلا الإيمان مع أن أكثركم فاسقون ».
ذكر جميع هذه الأوجه أبُو القَاسِمِ الزَّمَخْشَرِيُّ - رحمه الله -.
الخامس : أنه منصوب عَطْفاً على « أنْ آمنَّا »، و « أن آمنَّا » مفعول من أجله فهو منصوب، فعطف هذا عليه، والأصل :« هل تنقمون إلا لأجل إيماننا، ولأجل أن أكثركم فاسقون »، فلمَّا حذف حرف الجر من « أنْ آمنَّا » بقي منصوباً على أحد الوجهين المشهورين، إلا أنه يقال هنا : النصب هنا ممتنع من حيث إنَّهُ فُقِد شرطٌ من المفعول له، وهو اتحاد الفاعل، والفاعل هنا مختلف، فإن فاعل الانتقام غير فاعل الإيمان، فينبغي أن يُقَدَّر هنا محلُّ « أنْ آمنَّا » جراً ليس إلاَّ، بعد حذف حرف الجر، ولا يجري فيه الخلاف المشهور بين الخَلِيلِ وسيبَويْهِ في محل « أنْ » إذَا حذف منها حرف الجر، لعدم اتحاد الفاعل.
وأجِيبَ عن ذلك بأنَّا وإنْ اشترطنا اتحاد الفاعل فإنَّا نجوِّزُ اعتقادَ النصب في « أنْ » و « أنَّ » إذا وقعا مفعولاً من أجله بعد حذف حرف الجر لا لكونهما مفعولاً من أجله، بل من حيث اختصاصهما من حيث هما بجواز حذف حرف الجر لطولهما بالصلة وفي هذه المسألة بخصوصها خلاف مذكور في بابه، ويدُلُّ على ذلك ما نقله الواحدي عن صاحب « النَّظْم »، فإنَّ صاحب « النظم » ذكر عن الزجاج معنًى، وهو : هل تكرهون إلا إيماننا على دينكم، وهذا معنى قول الحسنِ : نقمتم علينا.
قال صاحب « النَّظْمِ » : فعلى هذا يجب أن يكون موضع « أن » في قوله :﴿ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ ﴾ نَصْباً بإضمار « اللام » على تأويل « ولأنَّ أكْثَرَكُمْ »، والواو زائدة، فقد صرح صاحب النظم بما ذكرناه.
الوجه السادس :[ أنه ] في محل نَصْب على أنه مفعول من أجله ل « تنقمون » والواو زائدةٌ كما تقدَّم تقريره عن الزمخشري.