وقرأ أبيُّ بن كعْبٍ، وعثمان بنُ عفان، وعائشةُ، والجحْدَرِيُّ وسعيدُ بن جُبَيْرٍ، وجماعة :« والصَّابئينَ » بالياء، ونقلها صاحب « الكَشَّاف » عن ابن كثيرٍ، وهذا غير مشهُور عنه، وهذه القراءةُ واضحةُ التخريج؛ عطفاً على لفظِ اسْم « إنَّ »، وإن كان فيها مخالفةٌ لسوادِ المصْحَفِ، فيه مخالفةٌ يسيرةٌ، ولها نظائرُ كقراءة قُنْبُلٍ عن ابن كثيرٍ :﴿ سراط ﴾ [ الفاتحة : ٥ ] وبابه بالسين، وكقراءة حمزة إيَّاهُ في روايةٍ بالزَّاي، وهو مرسومٌ بالصَّاد في سائر المصاحِف، ونحو قراءة الجميع :﴿ إيلافهم ﴾ [ قريش : ١ ] بالياء، والرسم بدونها في الجميعِ، وقرأ الحسن البصريُّ والزهريُّ :« والصَّابيُون » بكسر الباء بعدها ياءٌ خالصة، وهو تخفيف للهمزة، كقراءة من قرأ :﴿ « يستهزيون ﴾ [ الأنعام : ٥ ] بخلوص الياء، وقد تقدَّم قراءة نافعٍ في البقرة [ الآية ٦٢ ].
وأما »
النَّصَارى «، فهو منصوب عطْفاً على لفظ اسمِ » إنَّ «، ولا حاجة إلى ادِّعاء كونه مرفوعاً على ما رفع به » الصابئُونَ « ؛ لكلفةِ ذلك.
قوله تعالى :»
مَنْ آمَنَ « يجوز في » مَنْ « وجهان :
أحدهما : أنها شرطيةٌ، وقوله :»
فلا خَوْفٌ « إلى آخره جوابُ الشرط، وعلى هذا ف » آمَنَ « في محل جزمٍ بالشرط، و » فلا خَوْفٌ « في محلِّ جزمٍ بكونه جوابه، والفاءُ لازمةٌ.
والثاني : أن تكون موصولةً والخبر »
فلا خوفٌ «، ودخلت الفاءُ لشبهِ المبتدأ بالشرطِ، ف » آمَنَ « على هذا لا محلَّ له؛ لوقوعه صلةً، و » فَلا خَوفٌ « محلُّه الرفعُ لوقوعه خبراً، والفاءُ جائزةُ الدخولِ، لو كان في غير القرآن، وعلى هذين الوجهين، فمحلُّ » مَنْ « رفعٌ بالابتداء، ويجوز على كونها موصولةً : أن تكون في محلِّ نصب بدلاً من اسم » إنَّ « وما عُطِف عليه، أو تكون بدلاً من المعطوفِ فقط، وهذا على الخلافِ في » الَّذِينَ آمَنُوا « : هل المرادُ بهم المؤمنونَ حقيقةً، أو المؤمنونَ نِفَاقاً؟ وعلى كلِّ تقدير من التقادير المتقدِّمة، فالعائدُ من هذه الجملة على » مَنْ « محذوفٌ، تقديرُه :» مَنْ آمن مِنْهُمْ « ؛ كما صَرَّح به في موضعٍ آخر، وتقدَّم إعرابُ باقي الجُمْلَةِ فيما مَضَى.

فصل في معنى الآية


معنى قوله تعالى :﴿ إِنَّ الذين آمَنُواْ ﴾، أي : باللِّسَان وقوله تعالى :﴿ مَنْ آمَنَ ﴾ بالقَلْبِ، وعلى هذا فالمُرَادُ بِهِم : المنافقون، وقيل : إنَّ الذين على حقيقةِ الإيمان ﴿ مَنْ آمَنَ بالله ﴾ أي : ثبتَ على الإيمان باللَّه واليومِ الآخر وعمل صالحاً فلا خَوْفٌ عليهم ولا هم يَحْزَنُون.


الصفحة التالية
Icon