﴿ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مرضى ﴾ [ المزمل : ٢٠ ]، ومثله :« عَلِمْتُ أنْ سوْفَ تقُومُ »، وإمَّا « قَدْ » ؛ كقوله تعالى :﴿ وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا ﴾ [ المائدة : ١١٣ ]، وإمَّا « لَوْ » - وهي غريبةٌ -؛ كقوله :﴿ وَأَلَّوِ استقاموا ﴾ [ الجن : ١٦ ] ﴿ أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ الغيب ﴾ [ سبأ : ١٤ ]. وتحرَّزْتُ بالفعلية من الاسمية؛ فإنها لا تحتاج إلى فاصل؛ كقوله تعالى :﴿ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين ﴾ [ يونس : ١٠ ]، وكقوله :[ البسيط ]

٢٠٢٥- فِي فِتْيَةٍ كَسُيُوفِ الهِنْد قَدْ عَلِمُوا أنْ هَالِكٌ كُلُّ مَنْ يَحْفَى ويَنْتَعِلُ
وبالمتصرِّفةِ من غيرِ المتصرِّفة؛ فإنه لا تحتاج إلى فاصلٍ؛ كقوله تعالى :﴿ وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سعى ﴾ [ النجم : ٣٩ ] ﴿ وَأَنْ عسى أَن يَكُونَ ﴾ [ الأعراف : ١٨٥ ]، وبغير دعاءٍ من الواقعةِ دعاءً؛ كقوله تعالى :﴿ أَنَّ غَضَبَ الله ﴾ [ النور : ٩ ] في قراءة نافعٍ.
ومَنْ نصب « تَكُونَ » ف « أنْ » عنده هي الناصبة للمضارعِ، دخلت على فعلٍ منفيٍّ ب « لاَ »، و « لاَ » لا يمنعُ أن يعملَ ما قبلها فيما بعدها من ناصبٍ، ولا جازم، ولا جارٍّ، فالناصبُ كهذه الآية؛ والجازم كقوله تعالى :﴿ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ ﴾ [ الأنفال : ٧٣ ] ﴿ إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله ﴾ [ التوبة : ٤٠ ]، والجارُّ نحو :« جِئْتُ بِلا زادٍ ».
و « حَسِبَ » هنا على بابها من الظَّنِّ، فالناصبة لا تقعُ بعد علْم، كما أنَّ المخففة لا تقع بعده غيرِه، وقد شَذَّ وقوعُ الناصبةِ بعد يَقِينٍ، وهو نصٌّ فيه كقوله :[ البسيط ]
٢٠٢٦- نَرْضَى عَنِ النَّاسِ إنَّ النَّاسَ قَدْ عَلِمُوا ألاَّ يُدانِيَنَا مِنْ خَلْقِهِ بَشَرُ
وليس لقائلٍ أن يقول : العلمُ هنا بمعنى الظَّنِّ؛ إذ لا ضرورة تدعو إليه، والأكثرُ بعد أفعالِ الشكِّ النصبُ ب « أنْ »، ولذلك أُجْمِع على النصْب في قوله تعالى :﴿ أَحَسِبَ الناس أَن يتركوا ﴾ [ العنكبوت : ٢ ]، وأمَّا قوله تعالى :﴿ أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ ﴾ [ طه : ٨٩ ] فالجمهورُ على الرفع؛ لأن الرؤية تقعُ على العلْمِ.
والحاصل أنه متى وقَعَتْ بعد علْمٍ، وجبَ أن تكونَ المخفَّفةَ، وإذا وقعت بعد ما ليس بعلمٍ ولا شكٍّ، وجَبَ أن تكونَ الناصبةَ، وإن وقعت بعد فعْلٍ يحتملُ اليقينَ والشك جاز فيها وجهان باعتباريْنِ : إنْ جعلناه يقيناً، جعلناها المخففةَ ورفعنا ما بعدها، وإن جعلناه شكّاً جعلناها الناصبةَ ونصبْنَا ما بعدها، والآيةُ الكريمةُ من هذا الباب، وكذلك قوله تعالى :﴿ أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ ﴾ [ طه : ٨٩ ] وقوله :﴿ أَحَسِبَ الناس أَن يتركوا ﴾ [ العنكبوت : ٢ ] لكن لم يُقرأ في الأولى إلا بالرفعِ، ولا في الثانية إلا بالنصْب، لأن القراءة سنةٌ متبعة، وهذا تحريرُ العبارة فيها، وإنما قلنا ذلك؛ لأن بعضهم يقول : يجوزُ فيها بعد أفعال الشكِّ وجهان، فيوهمُ هذا أنه يجوزُ فيها أن تكونَ المخفَّفةَ، والفعلُ قبلها باقٍ على معناه من الشكِّ، لكن يريد ما ذكرتُه لك من الصلاحيةِ اللفظيةِ بالاعتبارين المتقدمَيْن، ولهذا قال الزمخشريُّ :« فإنْ قلْتَ : كيف دخَلَ فعلُ الحُسْبَانِ على » أن « التي هي للتحْقِيق؟ قلْتُ : نَزَّل حسبانَهم؛ لقوَّته في صدورِهِمْ منزلةَ العلْمِ » والسببُ المقتضي لوقوعِ المخفَّفةِ بعد اليقين، والناصبةِ بعد غيره، وجواز الوجهَيْن فيما تردَّد بين الشَّكِّ واليقينِ : ما ذكروه، وهو « أن » المخفَّفة تَدُلُّ على ثباتِ الأمر واستقراره؛ لأنها للتوكيدِ كالمشدَّدة، والعلمُ وبابُه كذلك، فنَاسَبَ أنْ تُوقِعَها بعد اليقين للملائمةِ بينهما، ويدلُّ على ذلك وقوعُها مشدَّدةً بعد اليقين؛ كقوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon