فالجوابُ مِنْ وجهين :
الأوَّلُ : أنَّهُ قد سَبَقَ من وَصْفِهِم مَا يدلُّ على إخلاصِهِمْ فيما قالوا وهُو المعرفَةُ، وذلك قوله - تعالى - :﴿ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الحق ﴾، وكُلَّما حصلتِ المعْرِفَةُ والإخْلاصُ وكمَال الانْقِيَادِ، ثُمَّ انْضَافَ إليْه القَوْلُ، لا جَرَمَ كمل الإيمان.
الثاني : روى عطاءُ عن ابْن عبَّاس - رضي الله تعالى عنهما - أنَّه قال : قوله - تعالى - :« بِمَا قَالُوا » يُرِيدُ بما سَألُوا، يعني قولهُمْ :« فاكتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِين ».

فصل


دَلَّتِ الآيَةُ على أنَّ المُؤمِنَ الفَاسِقَ لا يُخَلَّدُ في النَّارِ من وجْهَيْن :
أحدهما : أنَّهُ - تعالى - قال :﴿ وذلك جَزَآءُ المحسنين ﴾، وهذا الإحْسَانُ لا بُدَّ وأنْ يكُونَ هُوَ الذي تقدَّم ذِكْرُه من المَعْرِفَةِ، وهُوَ قوله - تعالى - :﴿ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الحق ﴾، ومِنَ الإقْرَارِ به، وهو قولُهُ - تعالى - :﴿ فَأَثَابَهُمُ الله بِمَا قَالُواْ ﴾، وإذا كَانَ كَذَلِك فإمَّا أنْ يُقال : إنَّ هذه الآيَةُ دالَّةٌ على أنَّ المعرفة، وهُوَ إقرارٌ يوجِبُ هذا الثَّواب، فإمَّا أنْ يُنقل من الجَنَّةِ إلى النَّارِ، وهذا بَاطِلٌ بالإجْمَاع، أو يُقَال : يُعاقَبُ على ذَنْبِهِ، ثمَّ يُنْقَلُ إلى الجَنَّةِ، وهُوَ المَطْلُوب.
الثاني : أنَّهُ - تعالى - قال :﴿ والذين كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أولئك أَصْحَابُ الجحيم ﴾، فقولُهُ تعالى :﴿ أولئك أَصْحَابُ الجحيم ﴾ يُفِيدُ الحصر، أي : أولَئِكَ أصْحَابُ الجحيمِ لا غَيْرهِم، والمُصَاحِبُ للشَّيءِ المُلازِم له الذي لا يَنْفَكُّ عَنْهُ، وهذا يقتضي تَخْصِيصُ الكُفَّارِ بالدَّوَام.
قوله تعالى :« وذَلِكَ جَزَاءُ » مبتدأ وخبرٌ، وأُشِيرَ ب « ذَلِكَ » إلى الثواب أو الإيتاء، و « المُحْسنين » يُحتمل أن يكون من باب إقامةِ الظاهرِ مُقامَ المضمرِ، والأصل :« وذَلِكَ جَزَاؤهُمْ »، وإنما ذُكِر وصفُهم الشريفُ مَنْبَهَةً على أن هذه الخَصْلَةَ محصِّلة جزائِهِمْ بالخَيْرِ، ويُحْتَمَلُ أن يرادَ كلُّ مُحْسِنٍ، فيندرجُون اندراجاً أوليًّا.
والمُرَادُ بالمُحْسِنينَ : المُوَحِّدين المُؤمِنِين.


الصفحة التالية
Icon