والكِسْوَةُ في اللُّغَةِ معناهُ اللِّبَاسُ، وهو كُلُّ ما يُكْتَسَى بِه.
فصل
كُلُّ مَنْ لَزمتْهُ كَفَّارَةُ يمينٍ فهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أطْعَمَ عشْرَة مساكين، وإن شاءَ كَسَاهُم، وإن شاء أعْتَقَ رقبَةً، فإن اخْتَارَ الكِسْوَة، فاخْتَلَفُوا في قدرهَا، فذهبَ قَوْمٌ إلى أنَّهُ يَكْسُوا كُلَّ مِسْكينٍ ثوباً واحداً مِمَّا يَقَعُ عليه اسم الكِسْوَةِ، إزَارٌ، أوْ رِدَاءٌ، أو قميصٌ، أو سراويل، أو عمامة مقَنَّعَة، أو كِسَاء أو نَحْوها، وهُو قولُ ابن عبَّاس والْحَسَن ومُجاهد وعطاء وطاوُس - رضي الله عنهم -، وإليه ذهبَ الشَّافِعيُّ - رضي الله عنه -.
وقال مالك - رضي الله عنه - : يَجِبُ لِكُلِّ إنسان ما يجُوزُ فيه صلاتُهُ، فيكْسُوا الرجُلَ ثَوْباً والمرْأةُ ثَوْبَيْن دِرْعاً وخِمَاراً.
وقال سَعِيدُ بنُ المُسَيِّبُ :« لِكُلِّ مِسْكِينٍ ثَوْبَان ».
قوله تعالى :﴿ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ﴾ عطف على « إطعامُ » وهو مصدر مضاف لمفعوله، والكلامُ عليه كالكلام على [ « إطعامُ ] عشرَةِ » من جوازِ تقديره بفعلٍ مبنيٍّ للفاعل أو للمفعول وما قيل في ذلك، [ وقوله :﴿ فَمَن لَّمْ يَجِدْ ﴾ كقوله في النساء :﴿ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ ﴾ [ النساء : ٩٢ ] ]، وقد تقدَّم ذلك.
فصل
المُرَادُ بالرَّقَبَةِ الجملة.
قيل : الأصْلُ في هذا المجازِ، أنَّ الأسِير في العربِ كان يجمع إلى رقبتِهِ بحبْلٍ، فإذا أطلقَ حلَّ ذلك الحَبْل، فسُمِّيَ الإطلاقُ مِنَ الرَّقبَةِ فَكُّ رقبة، وأجازَ أبُو حنيفَةَ والثَّوْرِي إعْتَاقُ الرَّقَبَةِ الْكَافِرَة في جَميعهَا، إلاَّ كَفارَة القَتْل؛ لأنَّ اللَّه تعالى قَيَّدَ الرَّقَبة فيها بالإيمان، قُلْنَا : المُطْلَقُ يُحْمَلُ على المُقَيَّدِ، كما أنَّ اللَّهَ تعالى قَيَّدَ الشَّهَادَة بالعَدَالَةِ في موضعٍ فقال تعالى :﴿ وَأَشْهِدُواْ ذَوَي عَدْلٍ مِّنكُمْ ﴾ [ الطلاق : ٢ ]، وأطلق في موضعٍ فقال تعالى :﴿ واستشهدوا شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ ﴾ [ البقرة : ٢٨٢ ]، ثم العدالةُ مشروطةٌ في جميعها حَمْلاً للمُطْلَقِ على المُقَيَّدِ، كذلك هذا.
ولا يجُوزُ إعْتَاقَ المُرْتَدِّ بالاتِّفَاقِ عن الكَفَّارة، ويُشْتَرَطُ أن يكونَ سليمَ الرِّقِّ، حتَّى لو أعْتَقَ عن كَفَّارتِهِ مُكَاتباً، أوْ أمَّ ولدٍ، أوْ عبداً اشْتَراه بِشَرْطِ العَتْقِ، أو اشْتَرَى قَرِيبَهُ الذي يُعْتَقُ عليه بِنيَّةِ الكَفَّارة يعتق، ولا يجُوزُ عن الكفَّارة.
وجوَّز أصْحَابُ الرَّأي عِتْق المُكَاتِبِ إذَا لَمْ يَكُنْ أدَّى شيئاً من النُّجُومِ، وعِتْق القَرِيبِ عن الكَفَّارة.