فأمَّا قراءةُ الجماعةِ، فواضحةٌ، ورفعُ « طَعَامُ » على أحد ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه بدل من « كَفَّارةٌ » ؛ إذ هي من جنسه.
الثاني : أنه بيانٌ لها؛ كما تقدَّم، قاله الفارسيُّ. وردَّه أبو حيان؛ بأنَّ مذهبَ البصريِّين اختصاصُ عطفِ البيانِ بالمعارفِ دون النكرات، قال شهاب الدين : أبو عَلِيٍّ يُخالِفُ في ذلك، ويستدلُّ بأدلَّة، منها قوله تعالى :﴿ شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ ﴾ [ النور : ٣٥ ]، ف « زَيْتُونَةٍ » عنده عطفُ بيان ل « شَجَرَة »، وكذا قوله تعالى :﴿ مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ ﴾ [ إبراهيم : ١٦ ]، ف « صَدِيد » عنده بدلٌ من « مَاءٍ »، والبدلُ فيهما محتملٌ؛ فلا حُجَّةَ له، والبدل قد يجيء للبيان.
الثالث : أنه خبر مبتدأ محذوفٍ، أي : هي طعام، أي : تلك الكفارة.
وأمَّا قراءة نافع وابن عامرٍ، فوجهها : أنَّ الكفارة، لمَّا تنوَّعَتْ إلى تكفير الطعام، وتكفير بالجزاء المماثل، وتكفير بالصيام، حسُنَ إضافتها لأحَدِ أنواعها تبييناً لذلك، والإضافةُ تكون بأدْنَى ملابسة؛ كقوله :[ الطويل ]
٢٠٥٣- إذَا كَوْكَبُ الخَرْقَاءِ لاحَ بِسُحْرةٍ | سُهَيْلٌ أذَاعَتْ غَزْلَهَا فِي القَرَائِبِ |
أضاف الكوكبَ إليها؛ لقيامها عند طلوعه؛ فهذا أولى، ووجَّهَها الزمخشريُّ فقال :
« وهذه الإضافةُ مبيِّنةٌ، كأنه قيل : أو كفارةٌ من طعامِ مساكين؛ كقولك :» خَاتَمُ فِضَّةٍ
« بمعنى مِنْ فِضَّةٍ »، قال أبو حيان :
« أمَّا ما زعمه، فليْسَ من هذا الباب؛ لأنَّ » خَاتَم فِضَّةٍ
« من باب إضافة الشيء إلى جنْسه، والطعامُ ليس جنساً للكفارةِ، إلا بتجَّوزٍ بعيدٍ جدًّا ». انتهى، قال شهاب الدين : كان مِنْ حَقِّه أن يقول : والكفَّارةُ ليستْ جنْساً للطَّعامِ؛ لأنَّ الكفارةَ في التركيب نظيرُ
« خَاتَم » في أنَّ كلاًّ منهما هو المضافُ إلى ما بعده، فكما أن
« خَاتَماً » هو المضافُ إلى جنسه ينبغي أن يُقالَ : الكفَّارةُ ليستْ جنْساً للطعام؛ لأجل المقابلةِ، لكنْ لا يمكنُ أن يُقال ذلك، فإنَّ الكفارةَ كما تقدَّم جنسٌ للطعامِ، والجزاءِ، والصَّومِ، فالطريقُ في الردِّ على الزمخشريِّ أن يُقال : شرطُ الإضافةِ بمعنى
« مِنْ » : أن يُضاف جزءٌ إلى كلٍّ بشرطِ صدقِ اسم الكلِّ على الجزءِ؛ نحو :
« خَاتَمُ فِضَّةٍ »، و
« كَفَّارةُ طعَامٍ » ليس كذلك، بل هي إضافة
« كُلّ » إلى جزء، وقد استشكل جماعةٌ هذه القراءة؛ من حَيْثُ إنَّ الكفارةَ ليست للطعامِ، إنما هي لقتلِ الصيدِ، كذا قاله أبو عليٍّ الفارسيُّ وغيره، وجوابُه ما تقدَّم.