وفي رِوَايَةٍ :« هَلْ بَقِي مَعَكُم منه شَيءٌ؟ » قالوا : نَعَمْ، فَنَاولْتُهُ العَضُدَ فأكَلَهَا «، وهذا يَدُلُّ على تَخْصِيصِ القُرْآنِ بِخَبَرِ الواحِدِ.
قوله :﴿ مَا دُمْتُمْ حُرُماً ﴾ »
ما « مصدريةٌ، و » دمتم « صلتها وهي مصدريةٌ ظرفيةٌ أي : حُرِّم عليكم صيدُ البر مدةَ دوامِكم مُحْرمين. والجمهور على ضمِّ دال » دمتم « من لغة من قال : دام يدوم. وقرأ يحيى :» دِمتم « بكسرها من لغة من يقول : دام يدام كخاف يخاف، وهما كاللغتين في مات يموتُ ويمات، وقد تقدَّم [ الآية ٥٧ آل عمران ]. والجمهورُ على » وحُرِّم « مبنياً للمفعول، » صيدُ « رفعاً على قيامه مقام الفاعل، وقرئ :» وحَرَّم « مبنياً للفاعل، » صيدَ « نصباً على المفعول به. والجمهورُ أيضاً على » حُرُماً « بضم الحاء والراء جمعُ » حَرام « بمعنى مُحْرِم ك » قَذَال « و » قُذُل «. وقرأ ابن عباس » حَرَماً « بفتحهما، أي : ذوي حَرَم أي إحرام، وقيل : جعلهم بمنزلة المكان الممنوع منه، والأحسنُ أن يكون من باب » رجل عدل « جعلهم نفسَ المصدرِ فإنَّ » حَرَما « بمعنى إحرام، وتقدم أن المصدر يقع للواحدِ فما فوقُ بلفظٍ واحد. والبَرُّ معروفٌ، قال الليث :» ويستعمل نكرة يقال : جلست بَرَّا، وخرجْتُ برًّا «. قال الأزهري :» وهو من كلام المولدين « وفيه نظر لقول سلمان الفارسي :» إنَّ لكلِّ امرئ جَوَّانِيًّا وبَرَّانياً « أي باطنٌ وظاهرٌ، وهو من تغيير النسب، وقد تقدم استيفاء هذه المادة في البقرة [ الآية ٤٤ ] ثمَّ قال :﴿ واتقوا الله الذي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ والمقصُودُ مِنْهُ التَّهْديدُ، ليكون المَرْءُ موَاظِباً على الطَّاعَة مُحْتَرِزاً عن المَعْصِيَة وقدَّم » إليه « على » تُحْشرون « للاختصاص أي : تُحشرون إليه لا إلى غيره، أو لتناسُبِ رؤوس الآي.


الصفحة التالية
Icon