والثاني : أنه مبتدأ، وخبره الجارُّ قبله، وعلى التقديرين، فالاستثناء مفرَّغٌ.
والبلاغُ يُحْتَمَلُ أن يكون مصدراً [ ل « بَلَّغَ » مشدَّداً، أي : ما عليه إلا التبليغُ، فجاء على حذفِ الزوائدِ، ك « نَبَات » بعد « أنْبَتَ »، ويحتمل أن يكون مصدراً ] ل « بَلَغَ » مُخَفَّفاً بمعنى البُلُوغ، ويكون المعنى : ما عليه إلا البُلُوغُ بتبليغه، فالبلوغُ مُسْتلزمٌ للتبليغِ، فعبَّر باللاَّزمِ عن الملزوم.
قوله تعالى :﴿ لاَّ يَسْتَوِي الخبيث والطيب ﴾ لمَّا رغَّب - سبحانه وتعالى - في الطَّاعةِ، والتَّنَزُّهِ عن المَعْصِيَةِ بقوله :﴿ اعلموا أَنَّ الله شَدِيدُ العقاب وَأَنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾، ثمَّ أتْبَعَهُ بالتَّكليفِ بقوله تعالى :﴿ مَّا عَلَى الرسول إِلاَّ البلاغ ﴾ ﴿ والله يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ ﴾، أتْبَعَهُ بِنَوْعٍ آخَر من التَّرْغيبِ في الطَّاعَةِ وتَرْكِ المعْصِيَةِ، فقال :﴿ قُل لاَّ يَسْتَوِي الخبيث والطيب ﴾.
قال المُفَسِّرُون : أي : الحَلالُ والحرَامُ.
وقال السدِّيُّ : المُؤمِنُ والكَافِرُ، وقيل : المُطِيع والعَاصِي، وقيل : الرَّدِيءُ والجيِّد.
قال القرطبي : وهذا على ضَرْبِ المثال، والصَّحِيحُ أنَّهُ عَامٌّ، فيتَصَوَّر في المكاسبِ، والأعمالِ، والنَّاس، والمعارف من العُلُومِ وغيْرِها، فالخَبِيثُ [ من هذا كُله لا يُفلح ولا يُنجِبُ، ولا تَحْسن له عَاقِبةٌ ] وإنْ كثُرَ، والطَّيِّبُ وإنْ قَلَّ نافعٌ.
[ قوله تعالى ] :﴿ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الخبيث ﴾.
نزلت في شُرَيْج بن ضُبَيْعَة البَكْري، وحجَّاجِ بن بكرِ بن وائل، « فاتَّقُوا اللَّه » ولا تتعرَّضُوا للحجَّاج وإنْ كانُوا مُشرِكِين، وقد مَضَتِ القِصَّةُ أوَّلَ السُّورَة ﴿ ياأولي الألباب لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ وجواب ﴿ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ ﴾ : محذوفٌ، أي : ولو أعْجبكَ كَثْرةُ الخبيثِ، لَما استوى مع الطَّيِّبِ، أو : لما أجْدَى شيئاً في المساواة.