وقد تلخص القول في « أشْيَاء » : أنها هَلْ هي اسمُ جمعٍ، وأصلها « شَيْئَاء » ؛ كطَرْفَاء، ثم قُلِبت لامُها قبل فائِها، فصار وزنُها « لَفْعَاء » أو جمعٌ صريحٌ؟ وإذا قيل بأنها جمعٌ صريحٌ، فهل أصلها « أفْعِلاء » ثم تحذفُ، فتصير إلى « أفْعَاء » أو « أفْلاَء »، أو أنَّ وزنها « أفْعَال » ؛ كأبْيَات.
قوله تعالى :« إنْ تُبْدَ » شرط، وجوابه « تَسُؤكُمْ »، وهذه الجملة الشرطية في محلِّ جرِّ صفةً ل « أشْيَاء »، وكذا الشرطيَّة المعطوفة أيضاً، وقرأ ابن عبَّاس :« إنَّ تَبْدُ لَكُمْ تَسُؤكُمْ » ببناء الفعليْنِ للفاعلِ، مع كون حرف المضارعةِ تاءً مثنَّاةً من فوقُ، والفاعل ضميرُ « أشْياء »، وقرأ الشعبي - فيما نقله عنه أبو محمَّد بن عطيَّة :« إنْ يَبْدُ » بفتح الياء من تحتُ، وضم الدال، « يَسُؤكُمْ » بفتح الياء من تحتُ، والفاعل ضميرٌ عائدٌ على ما يليق تقديره بالمعنى، أي : إنْ يَبْدُ لكُمْ جوابُ سؤالكُمْ أو سُؤلُكُمْ، يَسُؤكُمْ، ولا جائزٌ أن تعود على « أشْيَاء » ؛ لأنه جارٍ مجرَى المؤنَّث المجازيِّ، ومتى أسند فعلٌ إلى ضمير مؤنَّثٍ مطلقاً، وجبَ لَحَاقُ العلامة على الصحيح، ولا يُلتفتُ لضرورة الشعر، ونقل غيره عن الشعبيِّ؛ أنه قرأ :« يُبْدَ لَكُمْ يَسُؤكُمْ » بالياء من تحت فيهما، إلا أنه ضمَّ الياء الأولى وفتح الثانية، والمعنى : إن يُبْدَ - أي يُظْهَر - السؤالُ عَنْهَا، يَسُؤكُمْ ذلك السُّؤالُ، أي : جوابُهُ، أو هُوَ؛ لأنه سببٌ في ذلك والمُبْدِيه هو اللَّهُ تعالى، والضميرُ في « عَنْهَا » يحتمل أن يعود على نوعِ الأشياءِ المنهِيِّ عنها، لا عليها أنفسها، قاله ابن عطيَّة، ونقله الواحديُّ عن صاحب « النَّظمِ »، ونظَّرهُ بقوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ ﴾ [ المؤمنون : ١٢ ] يعني آدم، « ثُمَّ جعلْنَاهُ » قال « يعني ابنَ آدَمَ » فعاد الضميرُ على ما دلَّ عليه الأول، ويحتملُ أن يعود عليها أنْفُسِها، قاله الزمخشريُّ بمعناه.
قوله :﴿ حِينَ يُنَزَّلُ القرآن ﴾ في هذا الظرفِ احتمالان :
أظهرهما : أنه منصوبٌ ب « تسْألُوا »، قال الزمخشريُّ :« وإنْ تَسْألُوا عنها : عن هذه التكاليفِ الصعبةِ، حين يُنَزَّلُ القرآنُ : في زمانِ الوحي، وهو ما دام الرسولُ بين أظْهُرِكُمْ يُوحَى إليه تَبْدُ لكم تلك التكاليفُ التي تَسُؤكُمْ وتُؤمَرُوا بتحمُّلِها، فَتُعَرِّضُوا أنفسكُمْ لِغَضَبِ اللَّهِ؛ لتفريطكم فيها »، ومن هنا قلنا : إنَّ الضمير في « عَنْهَا » عائدٌ على الأشياءِ الأولِ، لا على نوعها.
والثاني : أنَّ الظرف منصوبٌ ب « تُبْدَ لَكُمْ »، أي : تَظْهَرْ لكم تلك الأشياءُ حين نُزُولِ القرآنِ، قال بعضهم :« في الكلامِ تقديمٌ وتأخيرٌ؛ لأنَّ التقدير : عن أشياءَ، إنْ تُسْألوا عَنْهَا، تُبْدَ لكم حين نُزولِ القرآنِ، وإن تُبْدَ لَكُمْ، تَسُؤكُمْ »، ولا شك أن المعنى على هذا الترتيب، لا أنه لا يقالُ في ذلك تقديمٌ وتأخيرٌ، فإنَّ الواو لا تقتضي ترتيباً، فلا فرق، ولكن إنما قُدِّم هذا أولاً على قوله :« وإنْ تَسْألُوا » ؛ لفائدةٍ، وهي الزجرُ عن السؤالِ؛ فإنه قدَّم لهم أنَّ سؤالهم عن أشياء متى ظهرتْ، أساءتهم قبل أن يُخْبِرَهم بأنهم إنْ سألُوا عنها، بدتْ لهم لينزجرُوا، وهو معنًى لائقٌ.


الصفحة التالية
Icon