و « بالله » متعلِّقٌ بفعل القسم، وقد تقدَّم أنه لا يجوز إظهارُ فعلِ القسمِ إلا معها؛ لأنها أمُّ الباب، وقوله :﴿ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ﴾ جوابُ القسم المضمرِ في « يُقْسِمَانِ »، فتُلُقِّي بما يُتَلَقَّى به، وقوله :« إن ارْتَبْتُمْ » شرطٌ، وجوابه محذوفٌ، تقديرُه : إن ارتبتُمْ فيهما، فحلِّفُوهُمَا، وهذا الشرط وجوابه المقدَّرُ معترضٌ بين القسم وجوابه.
والمعنى : إن ارْتَبْتُمْ في شَأنِهِمَا فَحَلِّفُوهُمَا، وهذا الشَّرطُ حُجَّةُ من يقول : الآيةُ نَازِلةٌ في إشْهَادِ الكُفَّارِ؛ لأنَّ تَحْلِيفَ الشَّاهِدِ المُسْلِم غير مَشْرُوعٍ.
ومن قال : الآيةُ نازلةٌ في المُسْلِمِ قال : إنها مَنْسُوخَةٌ.
وعن عَلِيٍّ - رضي الله عنه - : أنَّهُ كان يُحَلِّفُ الشَّاهِدَ والرَّاوي عند التُّهْمَةِ. وليس هذه الآيةُ مِمَّا اجتمع فيه شرطٌ وقسمٌ، فأُجيب سابقُهما، وحُذِفَ جوابُ الآخرِ؛ لدلالةِ جوابه عليه؛ لأنَّ تلك المسألةَ شرطُها أن يكون جوابُ القسمِ صالحاً لأنْ يكون جواب الشرط؛ حتَّى يَسُدَّ مسدَّ جوابه؛ نحو :« والله إنْ تَقُمْ لأكْرِمَنَّكَ »، لأنك لو قَدَّرْتَ « إن تَقُمْ أكْرَمْتُكَ »، صَحَّ، وهنا لا يُقَدَّر جوابُ الشرط ما هو جوابٌ للقسَم، بل يُقَدَّر جوابُه قِسْماً برأسِه؛ ألا ترى أنَّ تقديره هنا :« إن ارْتَبْتُمْ، حَلِّفُوهُمَا » ولو قَدَّرْتَهُ : إن ارتبتُمْ، فلا نشتَرِي، لم يَصِحَّ، فقد اتفقَ هنا أنه اجتمع شرطٌ وقسمٌ، وقد أجيب سابقهما، وحُذفَ جوابُ الآخَرِ، وليس من تيكَ القاعدةِ، وقال الجُرْجَانِيُّ :« إنَّ ثَمَّ قولاً محذوفاً، تقديرُه : يُقْسِمَانِ بالله ويقولانِ هذا القَوْلَ في أيْمَانِهمَا، والعربُ تُضْمِرُ القولَ كثيراً؛ كقوله تعالى :﴿ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ ﴾ [ الرعد : ٢٣ - ٢٤ ] أي : يقولُونَ سلامٌ عَلَيْكُمْ »، قال شهاب الدين : ولا أدْرِي ما حمله على إضمارِ هذا القَوْلِ؟.
قوله :« بِهِ » في هذه الهاءِ ثلاثةُ أقوالٍ :
أحدها : أنها تعودُ على الله تعالى.
الثاني : أنها تعودُ على القسم.
الثالث : وهو قول أبي عليٍّ - : أنها تعودُ على تحريفِ الشهادةِ، وهذا قوي من حيث المعنى، وقال أبو البقاء :« تعودُ على اللَّهِ، أو القَسَمِ، أو الحَلْفِ، أو اليمينِ، أو تحريفِ الشهادةِ، أو على الشهادة؛ لأنها قولٌ »، قال شهاب الدين : قوله « أو الحَلْفِ أو اليمينِ » لا فائدةَ فيه؛ إذ هما شيءٌ واحدٌ، وكذلك قولُ من قال : إنها تعودُ على الله تعالى، لا بد أن يقدِّر مضافاً محذوفاً، أي : لا نَشْتَري بيمَينِ الله أوْ قسَمِه ونَحْوه؛ لأنَّ الذاتَ المقدَّسة لا يُقالُ فيها ذلك، وقال مكي :« وقيل : الهاءُ تعودُ على الشَّهادة، لكن ذُكِّرَتْ؛ لأنها قولٌ كما قال تعالى :


الصفحة التالية
Icon