قوله :« شهيداً » خبر « كان »، و « عليهم » متعلق به، و « ما » مصدريةٌ ظرفيةٌ أي : تتقدَّر بمصدر مضاف إليه زمان، و « دام » صلتها، ويجوز فيها التمامُ والنقصان، فإن كانت تامةً كان معناها الإقامة، ويكون « فيهم » متعلقاً بها، ويجوزُ أن يتعلَّقَ بمحذوف على أنه حال، والمعنى : وكنتُ عليهم شهيداً مدة إقامتي فيهم، فلم يحتج هنا إلى منصوب، وتكون حينئذٍ متصرفةً، وإن كانت الناقصة لزمت لفظ المضيِّ ولم تكتفِ بمرفوع، فيكون « فيهم » في محلِّ نصب خبراً لها، والتقديرُ : مدة دوامي مستقراً فيهم، وقد تقدم أنه يقال :« دِمْتُ تدام » كخِفْتُ تخاف. قوله :﴿ كنت أنت الرقيب عليهم ﴾ يجوز في « أنت » أن تكون فصلاً وأن تكون تأكيداً. وقرئ « الرقيبُ » بالرفع على أنه خبر ل « أنت » والجملةُ خبرٌ ل « كان »، كقول القائل :[ الطويل ]
٢١٠٠-............................. | وُكُنْتَ عَلَيْهَا بِالمَلاَ أنْتَ أقْدَرُ |
فصل
معنى الكلام ﴿ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ﴾ أي : كنتُ أشْهَدُ على ما يَفْعَلُون، ما دمتُ مُقِيماً فيهم، « فلمَّا تَوَفَّيْتَنِي » والمرادُ منهُ : الوفاةُ بالرَّفعِ إلى السَّماءِ من قوله :﴿ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ﴾ [ آل عمران : ٥٥ ].
و ﴿ كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ﴾، قال الزجاج : الحَافِظُ عليهم بَعْد مُفارقَتِي عَنْهُم.
فالشَّهِيدُ : المُشاهِد، ويجُوزُ حَمْلُه على الرُّؤيَة، ويجُوزُ حَمْلُهُ على العِلْمِ، ويجُوزُ حَمْلُه على الكلامِ بمعنى الشَّهَادَة، فالشَّهِيدُ من أسْمَاء الصِّفَاتِ الحَقِيقيَّةِ على جَمِيع التَّقْدِيرَاتِ.