قال شهاب الدين رحمه الله تعالى : وكلامُه فيه دقةٌ، وذلك أنه لا يريد بقوله « إنه معروف بالشرطين إلى آخره » أنه جوابٌ لهما صناعةً، لأنَّ ذلك فاسدٌ من حيث الصناعةُ العربية؛ فإنَّ الأول قد أخذ جوابه وهو « فإنهم عبادُك » وهو جوابٌ مطابقٌ فإنَّ العبدَ قابل ليصرفه سيدُه كيف شاء، وإنما يريد بذلك أنه متعلق بهما من جهة المعنى.

فصل


قوله :﴿ فَإِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم ﴾ قيل : فيه تَقْدِيمٌ وتأخِيرٌ تقديرُهُ : وإنْ تغفِرْ لهم فإنَّهُم عبادُكَ، وإن تُعذِّبْهُم، فإنَّك أنْتَ العزيزُ في المُلْكِ، الحكيمُ في القضاءِ، لا يَنْقُصُ من عزِّك شَيءٌ، ولا يَخْرجُ عَنْ حُكْمِكَ، ويدخُلُ في حُكْمِهِ، وسِعَتْ رَحْمَتُهُ مَغْفِرةُ الكُفَّارِ، ولكِنَّه أخْبَرَ أنَّه لا يَغْفِرُ لَهُمْ، وهُوَ لا يُخلِفُ خَبَرهُ.
روى عَمْرُو بنُ العَاصِ :« أنَّ النبيَّ - عليه الصَّلاة والسَّلام - تَلاَ قولَهُ تبارك وتعالى :﴿ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ الناس فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ﴾ [ إبراهيم : ٣٦ ] الآية، وقول عيسى - عليه السَّلام :» إنْ تُعَذِّبْهُم فإنَّهُمْ عِبَادُك وإنْ تَغْفِرْ لَهُم فإنَّك أنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ «، فرفعَ يَديهِ وقال :» اللَّهُمَّ أمَّتِي، اللَّهُمَّ أمَّتِي « فقال اللَّهُ - عَزَّ وجَلَّ - : يا جِبْريلُ اذْهَبْ إلى مُحَمَّدٍ - عليه الصَّلاة والسَّلام - وَرَبُّكَ أعْلَمُ، فسله ما يُبْكِيه، فأتَاهُ جِبْرِيلُ فسألَه، فأخْبَرَهُ رَسُولُ الله، فقال اللَّهُ : يا جبريلُ اذهبْ إلى رسُول اللَّهِ ﷺ فأخْبِرْهُ وقلْ لَهُ إنَّا سَنُرْضِيكَ في أمَّتِكَ وَلاَ نَسُوءُكَ ».


الصفحة التالية
Icon