قوله :﴿ وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ﴾ مبتدأ وخبر، وسوِّغَ الابتداء هنا شيئان :
أحدهماك وَصْفُهُ، كقوله :﴿ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِن ﴾ [ البقرة : ٢٢١ ].
والثاني : عَطْفُهُ ب « ثمَّ » والعطفُ من المُسَوِّغَاتِ.
قال الشاعر :[ البسط ]

٢١٠٣-عِنْدِي اصْطِبَارٌ وشَكْوَى عِنْدَ قَاتِلْتِي فَهَلْ بأعْجَبَ مِنْ هَذَا امْرُؤّ سَمِعَا؟
والتنكير في الأجلين لإبهام، وهنا مُسَوَّغُ آخر، وهو التفصيل كقوله :[ الطويل ]
٢١٠٤ إذَا مَا بَكَى مِنْ خَلْفِهَا انْصَرَفَتْ لَه ُ بِشِقِّ وَشِقٌ عِنْدّنَا لَمْ يُحَوَّل
ولم يَجِبْ هُنا تقديمُ إن كان المبتدأ نكرةً، والخبرُ ظرفاً، قال الزمخشري :
« لأنَّه تخصَّصَ بالصفة فقاربَ المعرفة ».
قال أبو حيَّان :« وهذا الذي ذَكَر من كَوْنِهِ مُسَوِّغاً للابتداء بالنكرة لكونها وُصِفَتْ لا تتعيَّنُ، لجواز أنْ يكونَ المُسَوِّغُ التفصيلَ » ثُمَّ أنشد البيت :
- ٢١٠٥ إذَا مَا بَكَى................... ........................................
قال شهابُ الدين : والمزخشري م يَقُلْ : إنَّهُ تعيَّن ذلك حتَّى يُلْزِمَهُ به، وإنَما ذكر أشْهَرَ المسَّوغات فإنَّ العطف والتفصيل قَلَّ مَنْ يذكرُهما في المسوِّغات.
قال الزمخشري :« فإنْ قٌلت : الكلامُ السَّائِرُ أن يُقال :» عندي ثَوْبٌ جيَّدٌ، ولي عبدٌ كَيِّسٌ « فما أوجب التقديم؟.
قلت : أوجبه أنَّ المعنى : وأيُّ أجَلٍ مسمى عنده، تعظيماً لشأن الساعة، فلمَّا جرى فيها هذا المعنى أوجب التقديم »
.
قال أبو حيان : وهذا لا يجوز؛ لأنه إذا كان التقدير : وأيُّ أجلٍ مسمى عنده كانت « أي » صفة لموصوف محذوف تقديره : وأجل مسمى عنه ولا يجوز حذفُ الصفةِ إذا كانت « أيّا » ولا حَذْفٌ موصوفها وإبقاؤها.
لو قلت :« مررتُ بأيِّ رجل » تريدُ برجلٍ أيِّ رجل م يَجُزْ.
قال شهاب الدين : ولم أدْرِ كيف يؤاخَدُ من فَسَّر معنّى بلفظٍ لم يَدِّع أن ذلك اللًّفْظَ هُوَ أصْلُ كلام المفسر، بل قال : معناه كيت وكيت؟ فكيف يلزمه أنْ يكَون ذلك الكلام الذي فَسَّر به هو أصْل ذلك المُفَسِّر؟ على أنَّه قَدْ وَرَدَ حَذْفُ موضوف « أيّ » وإبقاؤها كقوله :[ المتقارب ]
٢١٠٦-إذا حَارَبَ الحَجَّاجُ أيَّ مُنَافِقِ عَلاَهُ بِسَيفٍ كُلمَّاً هَزَّ يَقْطَعُ
قوله :« ثُمَّ » أنْتُم تَمْتَرُونَ « قد تقدَّم الكلامُ على » ثُمَّط هذه. و « تمترون » تَفْتَعُون من المِرْيَةِ، وتقدَّم معنها في « البقرة » عند قوله :﴿ مِنَ الممترين ﴾ [ البقرة : ١٤٧ ].
وجعل أبو حيَّان هذا من باب الاتْتِفَاتِ، أعني قوله :« خَلَقكُمْ ثُمَّ أنْتُم تَمْتَرُون »، يعني أنَّ قوله :« ثُمَّ الذين كفروا » غائبٌ، فالْتَفَتَ عنه إلى قوله :« خَلَقكُمْ ثُمَّ أنْتُم » ثُمَّ كأنَّه اعترض على نفسه بأنَّ خَلْقَكم وقضاءَ الأجلِ لا يَخْتَصُّ به الكُفَّار، بل المؤمنون مِثْلُهم في ذلك.
وأجاب بأنِّه إنَّما قَصَدَ الكُفَّار تَنْبِيهاً لهم على خَلْقِهِ لهم وقُدرَتِهِ وقضائه لآجالهم.
قال :« وإنِّما جَعَلْتُه من الالِتفَاتِ؛ لأن هذا الخطابَ، وهو » ثُمَّ أنْتُم تَمْتَرُون « لا يُمِكن أنْ يَنْدَرجَ فيه مَن اصْطَفاَهُ الله تعالى بالنبوَّة والإيمان » وأجَلٌ مسمَّى « مُسَمَّو؛ لأنه من مادة الاسم، وقد تقدَّم ذلك، فقُلبت الواوُ ياءً، ثم الياء ألفاً ».


الصفحة التالية
Icon