« الفاء » هنا للتَعْقِيب، يعني : أنَّ الإعْرَاض عن الآيات أعْقَبَهُ التَّكْذِيبُ.
وقال الزمخشري :« فَقَدْ كَذَّبوا » مردودٌ على كلام محذوف، كأنه قيل : إن كانوا معرضين عن الآيات، فقد كذبوا بما هو أعظم آية وأكبرها.
وقال أبو حيان : ولا ضرورة تدعو إلى في انتظام الكلام وقوله :« بالحق » من إقامة الظاهر مقام المُضْمَرِ، إذ الأصل : فقد كذبوا بها أي : بالآية.

فصل في بيان المراد « بالحق »


والمُرَادُ بالحقِّ ها هنا القرآن.
وقيل :[ محمد ﷺ وقيل :] جميع الآيات.

فصل


واعلم أنَّهُ - تعالى - رتّبَ أمورَ هؤلاء الكُفَّارِ على ثلاث مراتب :
أولها : كونهم معرضين عن التأمُّلِ والتَّفَكُّرِ في الدَّلائل [ والبَيِّنَات ].
والمرتبة الثانية : كونهم مكذّبين بها، وهذه أزْيّدُ مما قَبْلَهَا؛ لأنَّ المُعْرِضَ عن الشِّيء قد لا يكون مكذباً به، بل قد يكون غَفِلَ عنه؛ صَارَ مُكَذِّباً به، فقد زاد على الإعْرَاضِ.
والمرتبة الثالثة : كونهم مُسْتَهْزِئينَ بها؛ [ لأن المكذب ] بالشيء قد لا يبلغ تكذيبه به إلى حدِّ الاسْتِهْزَاءِ، فإذا بلغ إلى هذا الحَدَّ، فقدْ بَلَغَ الغَايَة القُصْوَى في الإنكار، [ ثُم ] بَيَّن - تعالى أنَّ أولئك الكُفَّار وصلوا في هذه المراتب الثلاثة على هذا الترتيب.
قوله تعال :﴿ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ ﴾.
« الأنبياء جمع » نبأ « وهو ما يعظم وقعه من الأخبار، وفي الكلام حَذْفٌ، أي : يأتيهم مَضْمونُ الأنباء، و » به « متعلّق بخبر » كانوا «.
و »
لمّا « حرف وجوب أو ظرف زمان، والعامل فيه » كذبوا «
و »
ما « يجوز أن تكون موصولةٌ اسميةً، والضميرُ في » به « عائد عليها، ويجوز أن تكون مصدرية.
قال بان عطيّة : أي : أنباء كونهم مستهزئين، وعلى هذا فالضميرُ لا يعودُ عليها؛ لأنها حرفية؛ بل تعود على الحقِّ، وعند الأخفش يعود عليها؛ لأنها اسم عنده.
ومعنى الآية : وسوف يأتيهم أخبارُ اسْتِهْزَائهِمْ وجَزَاؤهُ، أي : سيعلمون عاقبة اسْتهْزَائِهِمْ إذا عُذِّبُوا، فقيل : يوم »
بدر « وقيل : يوم القيامة.


الصفحة التالية
Icon