وأيضاً اللَّبْسُ مأمُونٌ، فإن كلَّ أحِدٍ يَتَبادَرُ إلى ذِهْنِهِ أنَّهُ يَمْلِكُ أمْرَ نَفْسِهِ.
السادس : أنَّه مَجْرُورٌ عطفاً على « اليَاء » في « نَفْسِي »، أي : إلاَّ نَفْسِي ونَفْس أخِي، وهو ضعيفٌ على قَوَاعِدِ البَصْريِّين لِلْعَطْفِ على الضَّمِير المَجْرُور من غَيْر إعادَةِ الجَارِّ، وقد تقدَّم ما فيه.
والحَسَن البَصْرِيُّ يقرأ بِفَتْح [ ياء ] « نَفْسِي »، و « أخِي ».
وقرأ يوسُف بن دَاوُد وعُبَيْد بن عُمَيْر « فَافْرِق » بِكَسْرِ الرَّاء، وهي لُغَةٌ : فَرَقَ يَفْرِق ك « يضرب » قال الراجز :[ الرجز ]

١٩٤٩- يا رَب فَافْرِقْ بَيْنَهُ وبَيْنِي أشَدَّ ما فَرَّقْت بَيْنَ اثْنَيْنِ
وقرأ ابن السَّمَيْفَع « فَفَرِّقْ » مُضَعَّفاً، وهي مُخَالِفَةٌ للرَّسْم و « بَيْنَ » معمولة ل « افْرُق »، وكان من حَقِّها ألا تكرَّرَ في العَطْفِ، تقُولَ : المَالُ بَيْن زَيْدٍ وعَمْرو، وإنَّما كرِّرَت للاحْتِيَاج إلى تكررِ الجارِّ في العَطْفِ على الضِّمِير المَجْرُور، وهو يُؤيِّد مَذْهَب البَصْريِّين.
فإن قيل : لم قال :﴿ لاا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي ﴾ وكان مَعَهُ الرَّجُلان المَذْكُورَان؟.
فالجواب : كأنَّه لم يَثِقْ بِهِمَا كُلَّ الوُثُوق لِمَا رَأى [ من ] إطباقِ الأكْثَرِين على التَّمَرُّد، ولَعَلَّهُ إنَّما قَالَ ذَلِكَ تَقْلِيلاً لمن وَافَقَهُ، أو يكُون المُرَادُ بالأخِ مَنْ يُؤاخِيهِ في الدِّين، وعلى هذا يَدْخل الرَّجُلان.
والمُرادُ بقوله :﴿ فافرق بَيْنَنَا وَبَيْنَ القوم الفاسقين ﴾ أي : افْصِلْ بَيْنَنَا وبَيْنَهُم، بأنْ تَحْكُم لَنَا بما تَسْتَحِقُّ وتحْكُم عَلَيْهِم بما يَسْتَحِقُّون، وهُوَ في مَعْنَى الدُّعَاء عَلَيْهِم، أو يكون المَعْنَى : خَلِّصْنَا من صُحْبَتِهِم، وهو كقوله :﴿ نَجِّنِي مِنَ القوم الظالمين ﴾ [ القصص : ٢١ ].


الصفحة التالية
Icon