قال الكلبي ومقاتل : تزلت هذه الآية في النَّضْرِ بن الحَرْثِ، وعبد الله بن أبي أميَّةَ، ونوفل بن خُوَيْلدٍ قالوا : يا محمد لَنْ نُؤمِنَ لَكَ حَتَّى تأتينا بكتاب من عندِ اللَّهِ، ومعه أربعةٌ من الملائكة يَشْهدُونَ معه أنَّهُ من عند الله، وأنَّك رسوله، فأنزل الله تعالى :﴿ وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ ﴾ مكتوباً من عنده « فَلَمَسُوه بأيديهم » أي : عَايَنُوهُ ومَسُّوهُ بأيديهم، وذكر اللَّمْسَ ولم يذكر المُعَايَنَةَ، لأن اللَّمْسَ أبْلَغُ في إيقاع العِلْمِ من الرؤية، ولأنّ السِّحْر يجري على المرئي، ولا يجري على الملموس.
قوله :« فِي قِرْطَاسٍ » يجوز أن يتعلَّق بمحذوف على أنه صِفَةٌ ل « كتاب »، سواء أريد ب « كتاب » المصدرُ، أم الشيْ المكتوب، ومن مجيء الكتاب بمعنى مكتوب قوله :[ الطويل ]
٢١١٣.................. صَحِيفَة... ً أتَتْكَ مِنَ الحَجَّاجِ يُتْلَى كِتَابُهَا
ومن النَّاس من جعل « كتاباً » في الآية الكريمة مَصْدَراً؛ لأن نَفْسَ الكُتُبِ لا تُوصَفُ والقِرْطاس : الصَّحِيفة يُكتبُ فيها تكُون من رقِّ وكَاغِدٍ، بكسر القاف وضمها، والفصيح الكسر، وقرئ بالضّم شاذّاً نَقَلَهُ أبو البقاء - رحمه الله تعالى- والقِرْطَاسُ : اسم أعْجِمِيُّ مُعَرَّبٌ، ولا يقال : قِرْطَاس إلاَّ إذا كان مكتوباً، وإلاَّ فهو طِرْسٌ وكَاغِدٌ، وقال زهير :[ البسيط ]
٢١١٤... - لَهَا أخَادِيدُ مِنْ آثَارِ سَاكِنِها
كَمَا تَردَّدِ فِي قِرْطَاسِهِ القَلَم... قوله :« فَلَمَسُوهُ » الضمير المنصوب يجوز أن يَعُودَ على « القِرْطاس »، وأن يعود على « كتاب » بمعنى مَكْتُوب.
و « بأيديهم » متعلِّق ب « لَمَسَ ».
و « الباء » للاستعانة كعملت بالقَدُّوم. و « لَقَال » جواب « لو » جاء على الأفصح من اقتران جوابها المُثْبَتِ باللام.
قوله :« إنْ هذا » [ و ] و « إنْ » نافية، و « هذا » و « إلاَّ سحرٌ » خبره، فهو استثناء مُفَرَّغٌ، والجُمْلَة المَنْفِيَّةُ في مَحَلِّ نصب بالقولِ، وأوقع الظَّاهرَ مَوْقَعَ المضمر في قوله :« لَقَالَ الذين كَفَرُوا » شَهادَةً عليهم بالكُفْرِ، والجملة الامتنَاعِيَّةُ لا مَحَلَّ لها من الإعراب لاستئنافها.
ومعنى الآية الكريمة : أنَّهُ لا يَنْفَعُ معهم شيءٌ لما سبق فيهم من علمي، واللَّهُ أعلم.


الصفحة التالية
Icon