وقيل : يَعُودُ على الجَمْعِ المدلول عليه بالفَعْلِ؛ لأنه رَدٌّ على منكري القيامة.

فصل في الكلام على الآية


قال بعضهم : هذا كلامُ لا تَعَلُّق له بما قبله، فيه تصريح بكمال إلهيته سبحانه تعالى بقوله :﴿ قُل لِّمَن مَّا فِي السماوات والأرض قُل للَّهِ ﴾ ثم بَيَّن - تبارك وتعالى- أنه يرحمهم بالإمْهَالِ، ورفع عذاب الاستئصالن وبيَّنَ أنَّهُ يجمعهم إلى يوم القَيَامَةِ.
فقوله :﴿ كَتَبَ على نَفْسِهِ الرحمة ﴾، أي : يمهلمهم.
وقوله :﴿ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إلى يَوْمِ القيامة ﴾ أنَّهُ لا يمهلهم بل يحشرهم ويُحَاسِبُهم بِكُلِّ ما فعلوا.
وقال آخرون : إنه متعلّق [ بما قبله ]، والتقدير :﴿ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحَمْةَ ليجمعنَّكم إلى يوم القيامة ﴾.
وقيل : إنه لمَّا قال : كتب ربكم على نفسه الرحمة، فكأنه قيل : وما تلك الرحمة؟ فقيل : إنَّهُ تبارك وتعالى « ليجمعنكم » [ إلى يوم القيامة « وذلك لأنَّهُ خَوْفُ العذاب لحصل الهَرَجُ والمَرَجُ فصار يوم القيامة من أعظم أسْبَابِ الرحمة، فكان قوله :﴿ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إلى يَوْمِ القيامة ﴾. كالتفسير لقوله :﴿ كَتَبَ رَبُّكُمْ على نَفْسِهِ الرحمة ﴾ [ الأنعام : ٥٤ ].

فصل في المراد بهذه الآية


اختلفوا في المُرادِ بهذه الرَّحْمَةِ، فقيل : إنَّهُ - [ تبارك وتعالى ] - يُمْهِلهُمْ مُدَّةَ عُمْرِهِمْ، ويدفعُ عنهم عَذَابَ الاسْتِئْصَالِ، ولا يعاجلهم بالعُقُوبَةِ [ في الدنيا ].
وقيل : المُرَادُ »
كَتَبَ عَلَى نَفْسه الرَّحْمَةَ « لمن ترك التَّكْذِيِبَ بالرُّسُلِ، وقبل شريعتهم وتاب.

فصل في الإخبار عن سعة C


ورى أبو هرير - رضي الله عنه - قال : قال رَسُولُ الله ﷺ :»
لَمَّا قَضَى اللَّهُ الخَلْقَ كَتَبَ كَتَاباً فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ إنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي «.
وروى أبو الزّنَادِ، عن الأعْرَجِ، عن أبي هريرة :»
إنَّ سِبَقِتْ غَضَبي «.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رَسُولُ الله ﷺ :»
إنَّ للِّهِ مِائَة رَحْمةٍ وَاحِدةٌ منها بَيْنَ الجِنِّ والإنْس والبَهَائِم والطير والهَوَامِّ فِيْهَا يتعاطفون وبها يَتَراحَمُونَ، وبِهَا تَعْطِفُ الوُحُوشُ عَلَى أوْلادِهَا وأخَّر تِسْعاً وتسعين رَحْمَةً يَرْحَمُ بِهاَ عِبَادةُ يَوْمَ القِيَامَةِ «.
وعن عمر بن الخَطَّابِ - رضي الله عنه - قال :»
قَدِمَ على النَّبيِّ صلى الله عليه وسملم صَبِيُّ، فإن امرأةٌ من السَّبْي قَدْ تَحْلِبُ ثَدْيَهَا لِسَقْي إذ وَجَدَتْ صبياً في السَّبْي، فأخَذَتُهُ فألصَقَتْهُ بِبطْنِهَا وَأرْضَعتْهُ فَقَال لَنَا رَسُولُ اللِّهِ - ﷺ : أتَرَونَ هَذِهِ طَارحَةً وَلَدهَا في النَّارِ. قُلْنَا : لا وهِي تَقْدِرُ عَلَى أنْ تَطْرَحَهُ، فقالَ : لَلَّهُ أرْحَمُ بِعِباَدِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلدهَا «.
قوله :»
الَّذِينَ خَسِرُوا « فيه ستَّة أوجه :
أحدهما : أنه مَنْصُوبٌ بإضمار »
أذُمُّ « ن وقَدَّره الزَّمخشري ب » أريد «، وليس بِظَاهرٍ.
الثاني : أنه مبتدأ أخْبِرَ عنه بقوله :»
فهم لا يُؤمِنُون «، وزيدت الفاءُ في خبره لِمَا تَضَمَّنَ من معنى الشَّرْطِ، قاله الزجاج، كأنه قيل : مَنْ يَخْسَرْ نَفْسَهُ فهو لا يومن.


الصفحة التالية
Icon