والثاني : أنه صِفَةٌ ل « ولياً » قال : ويجوز أن يكون صَفَةٌ ل « وَليّاً » والتنوين مُرَادٌ.
قال شهاب الدين : يعني بقوله :« التنوين مُرَاد » أنَّ اسم الفاعل عاملٌ تقديراً، فهو في نِيَّةِ الانْفَصَالِ، ولذلك وقع وَصْفاً للنكرة كقوله :﴿ هذا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا ﴾ [ الأحقاف : ٢٤ ].
وهذا الوجه لا يَكَادُ يَصِحُّ، إذ يصير المعنى : أأتَّخِدُ غير اللَّهِ وليّاً فاطر السموات الحال من الجلالةِ، كما كان « فاطر » صفتها في قراءة الجمهور.
ويجوز على رأي أبي البقاءِ أن تكون صَفَةٌ ل « وليَّاً »، ولا يجوز أن تكون صَفَةً للجلالة؛ لأن الجملة نكرةٌ.
والفَطْرُ : الشَّقُّ مُطْلقاً، وقيَّدَهُ الرَّاغب بالشَّقِّ طولاً، وقيَّدّهُ الواحدي بشقِّ الشيء عند إبتدائه.
والفطرُ : إبداع وإيجاد شيء على غير مثال، ومنه ﴿ فَاطِرِ السماوات والأرض ﴾، أي : أوجدها على غير مثال يُجْتدى.
وعن ابن عبَّاس : ما كنتُ أدْرِي ما معنى فَطَر وفَاطِر، حتَّى اختصم إليَّ أعْرَابيَّان في بِئرِ، فقال أحدهما :« إنا فَطَرتُهَا »، أي : أنْشَأتُهَا وابتدأتها.
ويقال : فَطَرْتُ كذا فَطْراً وفَطَر هو فُطوراً، وانْفَطَرَ إنْفَطَاراً وفَطَرْتُ الشَّاة : حَلَبْتُهَا بأصْبُعَيْنِ، وفَطرْتُ العَجينَ : خبرْته في وَقْتِهِ.
وقوله تبارك وتعالى :﴿ فِطْرتَ الله التي فَطَرَ الناس عَلَيْهَا ﴾ [ الروم : ٣٠ ] إشارة منه إلى ما فَطَرَ، أي : أبدع وركز الناس من معرفته [ ما ركز ]، ففطرة اللِّهِ ما رُكِّز من القُوِّةِ المُدْرِكة لمعرفته، وهو المُشَارُ إليه بقوله تعالى :﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله ﴾ [ الزخرف : ٨٧ ].
وعليه :« كُلُّ مولودٍ يُوْلَدُ على الفِطْرَةِ » الحديث.
وهذه الآية الكريمة نزلت حين دعا إلى الله آباءه فقال تعالى : يا محمد ﴿ قُلْ أَغَيْرَ الله أَتَّخِذُ وَلِيّاً ﴾ رباً معبوداً وناصراً ومعيناً.
قوله :﴿ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ ﴾ القراءة المَشْهُرة ببناء الأوَّل للفاعل، والثَّاني للمعفول، والضمير للِّهِ تعالى، والمعنى : وهو يَرْزَق، وهو موافق لقوله تعالى :﴿ مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ ﴾ [ الذاريات : ٥٧ ].
وقرأ سعيد بن جبير، ومجاهد بن حبر، والأعمش، وأبو حيوة، وعمرو بن عبيد، وأبو عمرو العلاء في رواية عنه : وَلاَ يَطْعَمُ « بفتح الياء والعين، والضميرُ في ولا يُطْعِم للولِيّ.
وقرأ يعقوب في رواية أبي المأمون :» وهو يُطْعَمُ ولا يُطْعِم « ببناء الأوَّل للمفعول، والثَّاني للفاعل، على عَكْسِ القراءة المشهورة، والضمائر الثلاثة أعني هو والمستترين في الفعلين للولي فقط أي : وذلك الولي يُطعمه غيره، ولا يُطْعِمُ هو أحداً لعَجْزِه.
وقرأ الأشْهَبُ :» وهو يُطْعِمُ ولا يُطْعِم « ببنائهما للفاعل.