والتنوين في « يومئذٍ يكون الجزاء، وإنَّما قلنا ذلك؛ لأنه لم يتقدَّم في الكلام جملةٌ مُصَرَّحٌ بها يكون التنوين عَوَضاً منهان وقد تقدَّم خلافُ الأخفش.
وهذه الجملة الشَّرطيَّةُ يجوز فيها وجهان : الاستئناف، والوصف ل » عذاب يوم «، فحيثُ جعلنا فيها ضميراً يعود على عذاب يوم، إمَّا مِنْ » يُصَرف «، وإمَّأ مِنْ » عنه « جاز أن تكون صفةٌ وهو الظَّاهر، وأن تكون مُسْتأنفةً، وحَيْثُ لم نجعلُ فيها ضميراً يعود عليه- وقد عرفت كيفية ذلك - تعيَّنَ أن تكون مُسْتَأنَفَةً، ولا يجوز أن تكون صِفَةً لخلوِّها من الضمير.
وَرجَّع بعضهم إحْدى القراءَتَيْنِ على الأخرى، وذلك على عَادتِهِمْ، فقال أبو عَلِيِّ الفارسي : قراءة » يَصْرِف « يعني المبنيَّ للفاعل أحْسَنُ لمناسبة قوله :» رحمه «، يعني : أنَّ كُلاَّ منهما مَبْنيُّ للفاعل، ولم يقل :» فقد رُحِمَ « واختارها أبو حَاتِم، وأبو عُبَيْد، ورجَّعَ بعضهم قراءة المبنى للمفعول بإجماعهم على قراءة قوله :﴿ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ ﴾ [ هود : ٨ ] يعني في كونه أتى بصيفة اسم المَفْعُول المُسْنَدِ إلى ضمير العذابِ المذكور أوَّلاً.
ورجَّحَهَا محمد بن جرير بأنها أقَلُّ إضماراً، ومكي - رحمه الله - تَلَعْثَم في كلامه في ترجيحه لقراءة الأخوين، وأتى بأمثلةٍ فَاسِدَةٍ في كتاب » الهداية « له.
قال ابن عطية :» وقد تقدَّمَ أوَّلَ الكتاب عن ثَعْلبٍ وغيره من العلماء أنَّ ترجيح إحدى القراءاتِ المتواترة على الأخرى بحيث تُضِعَّفُ الأخرى لا يجوز «.
والجملة من قوله :» فقد رحمه « في محلّ جَزْمٍ على جواب الشرط والفاء واجبة.
قوله :» وذلِكَ الفَوزُ « مبتدأ وخبر جيء بهذه الجُمْلَةِ مقرِّرةً لما تقدَّم من مضمون الجملة قبلهان والإشارَةُ ب » ذلك « إلى المَصْدَرِ المفهوم من قوله :» يُصْرف «، أي : ذلك الصرف.
و » المبين « يحتمل أن يكون مُتَعَدِّياً، فيكون المفعول مَحْذُوفاً، أي : المبين غيرَه، وأن يكون قاصراً بمعنى يبين، وقد تقدَّمَ أنَّ » أبان «، يكون قاصراً بمعنى » ظَهَرَ «، ومتعدّياً بمعنى » أظهر «.