وقد مَرَّ أن الفَعْلَ المُضَاعَفَ العين واللام يحوز في فائه إذا بُنِيَ للمفعول ثلاثة الأوجه المذكورة في « فاء » الثلاثي المُعْتَلِّ العين إذا بُنِيَ للمفعول، نحو : قِيلَ وبيعَ، وقد تقدَّم [ ذلك ].
وقال الشاعرُ :[ الطويل ]

٢١٤٢-وَمَا حِلَّ جَهْلٍ حُبَا حُلَمَائِنَا وَلاَ قَائِلُ المَعْرُوفِ فِينَا يُعَنَّفُ
بكسر الحاء.
قوله :« وإنهم لكاذبون » تقدمَّ الكلامُ على هذه الجملة : هل هي مُسْتَأنَفَةٌ أو راجعة إلى قوله :« يا ليتنا نُرَدُّ » ؟.

فصل


والمعنى أنه - تبارك وتعالى- لو رَدَّهُمْ لم يحصل منهم تَرْكُ التكذيب وفَعْلُ الإيمان، بل كانوا يَسْتَمِرُّون على طريقتهم الأولى.
فإن قيل : إن أهْل القيامة قد عرفوا الله بالضرورة [ وشاهدو أنواع ] العقاب، فمع هذا الأهوال كيف [ يمكن ] أن يقال : إنهم يَعُودُونَ إلى الكُفْرش والمعصية.
فالجواب : قال القاضي : تقديره : ولو رُدُّوا إلى حَالةِ التكليف، وإنَّما يَحْصُلُ الردُّ [ إلى ] هذه الحالة، إذا لم يحصل في القيامةِ مَعْرِفَةُ االلِّهِ بالضرورة، ولم يحصل هناك مُشَاهَدَةُ الأهوال وعذابُ جَهَنَّم، فهذا الشرط يكون مضمراً لا مَحَالَة.
وهذا الجوابُ ضعيفٌ، لأن المقصود من الآية الكريمة بَيَانُ غُلُوهِمْ في الإصرار على الكُفْرِ، وعدم رغبتهم في الإيمان، فلو قَدَّرْنَا عدمَ معرفة الله في القيامة وعدمَ مشاهدة الأهوال لم يكون إصْرَارُهُمْ على كفرهم الأول مزيد تَعجُّبٍ، وإذاً لم يكن اعتبار هذا الشَّرطِ الذي ذكره القاضي.
وقال الواحدي - رحمه الله تعالى- : هذه الآية الكريمة من أظْهَرِ الدلائل على فساد قول المُعتزلةِ؛ لأن الله تبارك وتعالى- بيَّن أنهم لو شاهدوا النَّار والعذابَ، ثم سألوا الرَّجْعَةَ ورُدُّوا إلى الدنيا لَعَادُوا إلى الشرك، وذلك للقضاء السَّابق فيهم، وإلاَّ فالعَاقِلُ لا يَرْتَابُ فيما شاهد.
قال القرطبي : وقد عَايَنَ إبليس ما عاينَ من آيات الله تبارك وتعالى ثم عَانَدَ.


الصفحة التالية
Icon