قوله تعالى :﴿ وَمَا الحياة الدنيآ إِلاَّ لَعِب ﴾ يجوز أن يكون من المُبَالَغَةِ جَعْلُ الحَيَاةِ نَفْسَ اللَّعِبِ واللَّهوِ كقول [ القائل ] :[ البسيط ]

٢١٤٧-.................... فَإنَّمَا هِيَ إقْبَالٌ وإدْبَارُ
وهذا أحسن، ويجوز أن يكون في الكلام حَذْفٌ، أي : وما أعمال ﴿ وما أهْلُ الحياة الدنيا إلاَّ أهل لَعِب ﴾ فقدَّر شيئين محذوفين.
واللَّهْوُ : صَرْفُ النَّفْسِ عن الجِدِّ إلى الهَزَلِ، ومنه لَهَا يَلْهُو.
وأمَّا لَهِيَ عن كذا فمعناه صَرَفَ نَفْسَهُ، والمَادَّةُ واحد انقلبت الواو ياءً لانكسار ما قبلها، نحو : شَقِيَ ورَضِيَ.
وقال المهدوي :« الذي معناه الصَّرْفُ لامُه ياء، بدليل قولهم :» لَهْيَان «، ولام الأول واو ».
قال أبو حيَّان :« وليس بشيء؛ لأن » الواو « في التثنية انْقَلَبَتْ ياءً، فيس أصلها الياء ألا ترى تثنية » شَجِ « :» شجيان « وهو من الشَّجْوِ » انتهى.
يعني : أنهم يقولون في اسم فاعله :« لهٍ » ك « شَجٍ » والتثنيةُ مَبْنيَّةٌ على المفرد، وقد انقلبت في المُفْرَدِ فلتنقلب في المثنى.
قال شهابُ الدين : فلنا فيه بحث حَسَنٌ أوْدَعْنَاهُ « التفسير الكبير » ولله الحمد [ قال : وبهذا ] يظهر فَسَادُ ردِّ المهدوي على الرُّمَّاني، فإنَّ الرُّمَّاني قال :« اللَّعِبُ عَمَلٌ يُشْغِلُ النفس عما تنفعُ به، واللَّهْوُ صَرْقُ النفس من الجدِّ إلى الهَزَل، يقال : لَهَيْتُ عنه، أي صَرَفْتُ نفسي عنه ».
قال المهدوي - C- :« وفيه ضَعْفٌ وبُعْدٌ، لأنَّ الذي فيه معنى الصَرِفِ لامه ياء، بدليل قولهم في التَّثْنية لَهْيَان » انتهى.
وقد تقدَّم فَسَادُ هذا الرَّدِّ.
وقال الراغب :« اللَّهْوُ ما يَشْغَلُ الإنسانَ عما يَعْنيهِ ويَهُمُّهُ، يقال : لَهَوْتُ بكذا أوْ لَهَيْتُ عن كذا : استغلْتُ عنه بِلَهْوٍ ». وهذا الذي ذكره الراغب هو الذي حمل المهدوي على التَّفْرِقَةِ بين المَادَّتَيْنِ.

فصل في ذم الحياة الدنيا


اعلم أن منكري البعث تعْظُمُ رغبتهم في الدُّنيا، فَنَبَّه اللَّهُ - تعالى - في هذه الآية تصح إلا فيها، فلهذا السبب حصل في تفسير الآية قولان :
الأول : قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : يريد حَيَاةَ أهل الشرك والنفاق؛ لأن حياة المؤمن يحصل فيها أعْمَالٌ ] صالحة.
والثاني : أنه عَامٌ في حياة المؤمن والكافر وإنما سماها باللعب واللَّهْوِ؛ لأن الإنسان حال اشتغاله باللَّعِبِ واللهو، فإنه يَلْتَذُّ به، وعند انْقَضَائها إلاَّ النَّدامَةُ ]، وفي تسمية هذه الحياة باللعب واللَّهْوِ وجوه :
أحدهما : أن مُدَّة اللَّعِبِ واللَّهْوِ قليلةٌ سريعةُ الانقضاء، وكذلك هذه الحياة الدنيا.
وثانيها : أنَّ اللعب واللهو إنما يَحْصُلُ عند الاغتِرَارِ بَظَوَاهِرِ الأمور، وأمَّا عند التَّأمُّلِ التَّامِّ لا يبقى اللعب واللهو أصْلاً، وكذلك فإن اللعب واللهو إنما يَحْصُلُ للصِّبْيَان والجُهَّال والمُغَفَّلِينَ.


الصفحة التالية
Icon