« والَّذي نَفْسِي بِيدِهِ لأقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللهِ » ثم قضى بالجَلْدِ والتَّغْرِيبِ على العسيفِ، وبالرجم على المَرْأةِ إذا اعترافت.
قال الواحدي : وليس لِلْجَلْدِ والتَّغْريبِ ذكرٌ في نَصِّ الكتاب، وهذا يَدُلُّ على أن ما جاءكم به النبي ﷺ فهو عَيْنُ كتاب الله. قال تعالى :﴿ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ﴾ [ النحل : ٤٤ ]، وعند هذا يَصِحُّ قوله تعالى :﴿ مَّا فَرَّطْنَا فِي الكتاب مِن شَيْء ﴾ والله أعلم.
وقال بعضهم : إن هذا عامُّ أُرِيدَ به الخُصوصُ، والمعنى ما فرَّطنا في الكتاب من شيءٍ يحتاج إليه المُكَلَّفُونَ.
قوله :« من شيءٍ » فيه ثلاثةُ أوجه :
أحدهما : أن « مِنْ » زائدة في المفعول به، والتقدير : ما فرَّطْنا شَيْئاً، وتضمن « فرطنا » معنى تركنا وأغفَلْنَا، والمعنى ما أغفلنا، ولا تركنا شيئاً.
والثاني : أن « مِنْ » تَبْعيضيَّةٌ، أي : ما تركنا ولا أغْفَلْنَا في الكتاب بعض شيء يحتاج إليه المُكَلِّفُ.
الثالث : أن « من شيء » في مَحَلِّ نصب على المصدرِ، و « من » زائدة فيه أيضاً.
ولم يُجزْ أبو البقاء غيره، فإنه قال :« من » زائدة، و « شيء » هنا واقع موقع المصدرِ، أي تفريطاً.
وعلى هذا التَّأويل لا يبقى في الآيو حُجَّةٌ لمن ظنَّ أن الكتاب يحتوي على ذِكْرِ كل شيء صَريحاً، ونظير ذلك :﴿ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾ [ آل عمران : ١٢٠ ].
ولا يجوز أن يكون ب « في »، فلا يتعدَّى بحرف آخر، ولا يَصِحُّ أن يكون المعنى : ما تركنا في الكتاب من شيء؛ لأن المَعْنَى على خلافه، فبان أن التأويل ما ذكرنا. انتهى.
قوله :« يحتوي على ذِكْرِ كل شيء صريحاً » لم يقل به أحدٌ؛ لأنه مُكَابرةٌ في الضروريات.
وقرأ الأعرج وعلقمة :« فَرَطْنَا » مُخَفَّفاً، فقيل : هما بِمَعْنَى وعن النقاش : فَرَطنا : أخَّرْنا، كما قالوا :« فرط الله عنك المرض » أي : أزاله.
قوله :﴿ ثُمَّ إلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُون ﴾ : قال ابن عبَّاسٍ، والضحاك : حشرها موتها.
وقال أبو هريرة : يحشر الله الخَلْقَ كلهم يوم القيامةِ الإنس والجن والبهائم والدَّوَابَّ والطير وكُلَّ شيء، فيأخذ للجمَّاءِ من القَرْنَاءِ، ثم يقول كوني تُراباً، فحينئذٍ يَتَمَنَّى الكافر ويقول :﴿ ياليتني كُنتُ تُرَابا ﴾ [ النبأ : ٤٠ ]، ويتأكد هذا بقوله :﴿ وَإِذَا الوحوش حُشِرَتْ ﴾ [ التكوير : ٥ ].


الصفحة التالية
Icon