﴿ وَيُضِلُّ الله الظالمين ﴾ [ إبراهيم : ٢٧ ] وقوله :﴿ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الفاسقين ﴾ [ البقرة : ٢٦ ].
وقوله :﴿ والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى ﴾ [ محمد : ١٧ ]، وقوله تعالى :﴿ يَهْدِي بِهِ الله مَنِ اتبع رِضْوَانَهُ ﴾ [ المائدة : ١٦ ].
وقوله :﴿ يُثَبِّتُ الله الذين آمَنُواْ بالقول الثابت ﴾ [ إبراهيم : ٢٧ ] وقوله :﴿ والذين جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾ [ العنكبوت : ٦٩ ].
فثبت بهذه الآيات أن مشيئة الهدى والضلال، وإن كانت مُجْمَلَةً في هذه الآية، إلاَّ أنها [ مخصصة ] مفصلة في سائر الآيات، فيحمل هذا المُجْمَلُ على تلك المُفصَّلاتِ. ثم إن المعتزلة ذكروا في تأويل هذه الآية وُجثوهاً :
أحدهما : قوله :﴿ مَن يَشَإِ الله يُضْلِلْهُ ﴾ [ الآية : ٣٩ ] مَحْمَوُلٌ على مَنْعِ الألْطَافِ، فصاروا عندها كالصُّمِّ والبُكم.
وثانيها : يضلله يوم القيامة عن طريق الجنة، وعن وجدانِ الثوابِ؛ لأنه ثبت بالدليل أنه - تعالى - لا يشاء هذا الإضلال إلاَّ لمن يستحقه عقوبة، كما لم يشأ الهُدَى إلاَّ للمؤمنين.
واعلم أن هذه الوجوه التي تكَلَّفَهَا المعتزلة إنما تَحْسُنُ لَوْ ثَبَتَ في العقل أنه لا يمكن إجْرَاءُ هذا الكلام على ظاهرة، وقد دللنا على أنَّ هذا الفعل لا يحصل إلاَّ عند حُصُول الداعي، وبيَّنَّا أنِّ خالق ذلك الداعي هو الله تعالى، وبيَّنَّا أن عند حصوله يجبُ الفعلُ في هذه المقدِّمَاتِ الثلاث، فوجب القَطْعُ بأن الكفر والإيمان من الله تعالى، وبتخليقه وتقديره وتكوينه، وقد تقدَّم إبطالُ هذه الوجوه عند قوله :﴿ خَتَمَ الله على قُلُوبِهمْ ﴾ [ البقرة : ٧ ] وغيرها من الآيات، فلا حاجةَ إلى الإعادةِ.