وقيل : كان قابيل لَيْس من أهل التَّقْوى والطَّاعة فلذلك لم يَقْبَل اللَّهُ قُرْبانه.
قوله تعالى :« قال لأقْتُلَنَّك »، أي : قال الذي لم يتقبل منه للمَقْبُول منه.
وقرأ الجمهور « لأقْتُلَنَّك »، أي : قال الذي لم يتقبل منه للمَقْبُول منه.
وقرأ الجمهور « لأقتلنَّك » بالنون الشديدة، وهذا جوابُ قسم مَحْذُوف وقرأه زيدٌ بالخفيفة.
قال أبُو حَيَّان :[ إنما يتقبل الله مَفْعُوله مَحْذُوف ]، لدلالة المعنى عليه، أي : قرابينهم وأعمالهم ويجُوزُ ألاَّ يراد له مَفْعُول، كقوله تعالى ﴿ فَأَمَّا مَنْ أعطى واتقى ﴾ [ الليل : ٥ ]، هذه الجُمْلَة قال ابن عطيَّة :« قبلها كلام محذوف، تقديرُه : لِمَ تَقْتُلني وأنا لم أجْنِ شيئاً، ولا ذَنْبَ لي في تَقَبُّلِ الله قرباني بدون قربانك » ؛ وذكر كلاماً كثيراً.
وقال غيرُه :« فيه حذفٌ يَطُول » وذكر نحوه : ولا حَاجَة إلى تقدير ذلك كلّه؛ إذ المعاني مفهومَةٌ من فَحْوَى الكلام إذا قُدِّرَتْ قَصِيرةً كان أحْسَن، والمعنى هنا : لأقْتُلَنَّك حَسَداً على تَقَبُّل قُرْبَانك، فَعَرَّضَ له بأن سَبَبَ التَّقَبُّل التَّقْوى.
وقال الزَّمَخْشَرِيُّ :« فإن قلت : كيف [ كان ] قوله :﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ المتقين ﴾ جوباً لقوله :» لأقْتُلَنَّكَ « ؟.
قلت : لمَّا كان الحَسَدُ لأخيه على تَقَبُّل قربانه هو الذي حَمَلَهُ على توعُّده بالقَتْل، قال : إنَّما أتَيْت من قبل نفسك لانْسِلاَخها من لِبَاسِ التَّقْوَى »
انتهى.
وهذا ونَحْوه من تَفسِير المَعْنَى لا الإعْرَاب.
وقيل : إن هذه الجملة اعْتِرَاض بَيْن كلام القَاتِل وكلام المَقْتُول والضَّمِير [ في « قال » ] إنَّما يعود إلى الله تعالى، أي : قال الله ذلك لِرَسُوله، فَيَكُون قد اعْتَرض بقوله ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله ﴾ بين كلام قابيل وهو :« قال لأقْتُلَنَّكَ »، وبين كلام هَابِيل وهو :« لَئِنْ بَسَطْتَ » إلى آخره، وهو في غاية البُعْد لِتَنافُر النَّظْم.
و « اللاَّم » في قوله :« لَئِنْ بَسَطْتَ » هي المُوَطِّئة.
وقوله :﴿ مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ ﴾ جوابُ القسم المَحْذُوف، وهذا على القاعِدَة المُقَرَّرةِ من أنَّه إذا اجْتَمَع شَرْطٌ وقسمٌ أجِيبَ سابقُهما إلا في صُورة تَقدّم التَّنْبِيه عليها.
وقال الزَّمَخْشَرِي :« فإن قلت : لِم جاء الشَّرْط بلفظ الفِعْل، والجزاء بلفظ اسم الفاعل، وو قوله » لَئِنْ بَسَطْتَ «، ﴿ مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ ﴾ ؛ قلت : ليفيد أنه لا يفعلُ هذا الوَصْفَ الشَّنِيع، ولذلك أكَّدَهُ ب » الباء « المفيدة لِتَأكِيد النَّفْي ».
وناقَشَهُ أبُو حيَّان في قوله :[ إنَّ ] ﴿ مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ ﴾ جزاء للشَّرْط.
قال : لأنَّ هذا الجواب لِلقَسَم لا للشَّرط قال :« لأنه لو كان جواباً للشَّرط للزمته الفاء لِكَوْنه منفيًّا ب » ما « والأداة جَازِمة، وللزِمَهُ أيضاً تلك القَاعِدة، وهو كَوْنه لم يجب الأسْبَق منهما » وهذا ليس بشيء؛ لأن الزَّمَخْشَرِيَّ سماه جزاء للشَّرط لما كان دالاًّ على جزاء الشَّرْط، ولا نَكِيرَ في ذلك [ ولكنه مُغْرى بأن يقال : قد اعترض على الزَّمَخْشَرِي ].


الصفحة التالية
Icon