﴿ أَن رَّآهُ استغنى ﴾ [ العلق : ٧ ] ولم يَقُل : رأى نَفْسَهُ.
وقد جاء في ضرورة الشعر إجْرَاءُ الأفعال التامة مُجْرَى النواقص؛ قال جِرَانُ العَوْدِ :[ الطويل ]

٢١٦٦- لَقَدْ كَانَ لِي عَنْ ضَرَّتَيْنِ عَدِمْتُنِي وَعَمَّا ألاَقِي مِنْهُمَا مُتَزَحْزحُ
والعربُ تقول :« عَدِمءتني ووَجَدْتُني » وليس بوجه الكلام. انتهى.
واعلم أنَّ النَّاس اختلفوا في الجلمة اللاستِفْهَامِيَّةِ الواقِعَةِ بعد المنصوب ب « أرأيتك » [ نحو : أرأيتك ] زَيْداً ما صنع؟
فالجموهور على أنَّ « زيداً » مفعول أوَّل، والجملة بعده في مَحَلِّ نصبٍ سادَّةً مَسَدَّ المفعول الثاني.
وقد تقدَّم أنه لا يجُوزُ التَّعْلِيقُ في هذه، وإن جاز في غيرها من أخَوَاتِهَا نحو : علمت زيداً أبو مَنْ هو.
وقال ابن كَيْسَان :« إن هذه الجملة الا ستفهاميَّة في أرأيت زيداً ما صنع بَدَلٌ من أرأيتك ».
وقال الأخْفَشُ :« إنه لا بُدَّ بعد » أرأيت « التي بمعنى » أخبرني « من الا سم المُسْتَخْبَرِ عنه، ويَلْزَمُ الجُمْلَةَ التي بعده الاستفهام؛ لأن » أخبرني « موافق لمعنى الاستفهام ».
وزعم أيضاً أنها تخرج عن بابها، فتكون بمعنى « أما » أو « تنبَّه »، وحينيذٍ لا يكونُ لها مَفْعُولانِ، ولا مَفْعُولٌ واحدٌ، وجعل من ذلك :﴿ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى الصخرة فَإِنِّي نَسِيتُ الحوت ﴾ [ الكهف : ٦٣ ].
وهذا يبغي ألاَّ يجوز؛ لأنه إخْرَاجٌ لِلَّفْظةِ عن موضوعها من غير دَاعٍ إلى ذلك.
إذا تقرَّرَ هذا فَيْلُرْجَعْ إلى الآية الكريمة فَنَقُولُ، وبالله التوفيق : اختلف النَّاسُ في هذه الآية على ثلاثة أقوال :
أحدها : أن المفعول الأول، والجملة الاستفهامية التي سدَّت مسدَّ الثاني مَحْذُوفانِ لفهم المعنى، والتقديرُ : أرأيتكم عبادتكم الأصْنَامَ هل تنفعُكمُ؟ أو اتِّخَاذكُمْ غَيْرَ الله إلهاً هَلْ يِكشِفُ ضُركم؟ ونحو ذلك، ف « عِبَادَتَكُمْ » أو « اتِّخاذكم » مفعول أوّل، والجملة الاستفهامية سادَّةٌ مسدَّ الثَّاني، و « التاء » هي الفاعل، و « الكاف » حرف خطاب.
الثاني : أن الشَّرْطَ وجوابَهُ - وسيأتي بَيَانُهُ - قد سدَّا مَسَدَّ المفعولين؛ لأنهما قد حَصَّلا المعنى المقصود، فلم يَحْتَجْ هذا الفعل إلى مَفْعُولٍ، وليس بشيء؛ لأن الشَّرْطَ وجوابه لم يُعْهَدْ فيهما أن يَسُدَّا مَسَدَّ مفعولي « ظَنَّ »، وكونُ الفاعلِ غيرَ مُحْتاجٍ لمفعول إخْرَاجٌ له عن وضعه، فإن عنى بقوله :« سَدَّا مَسدَّهُ » أنَّهُمَا دَالاَّنِ عليه فهو المُدَّعَى.


الصفحة التالية
Icon