﴿ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السماوات ﴾ [ النحل : ٤٩ ] والعائد محذوف، أي : ما تُشْرِكُونَهُ مع الله في العِبَادَةِ.
وقال الفارسيُّ :« الأصْلُ : وتَنْسَوءنَ دُعاءَ ما تشركون، فحذف المضاف ».
ويجوز أن تكون مَصْدرِيَّةً، وحينئذٍ لا تَحْتَاجُ إلى عائد عن الجمهور.
ثم هل هذا المصدر باقٍ على حقيقته؟ أي : تَنْسَوْنَ الإشراك نَفْسَهُ لما يَلْحَقُكُمْ من الدَّهْشَةِ والحَيْرَةِ، أو هو واقع موقع المعفول به، أي : وتنسون المُشْرَكَ به، وهي الأصنام وغيرها، وعلى هذه فمعناه كالأوَّلِ، وحينئذ يحتمل أن يكون السياق على بابه من « الغَفْلَة » وأن يكون بمعنى التَّرْكِ، وإن كانوا [ ذاكرين ] لها أي : للأصنام وغيرها.

فصل في المراد من الآية


معنى الآية فيكشف الضُّرَّ الذي من أجْلِهِ دَعَوْتُمْ إن شاء، وهذه الآية تَدُلُّ على أنه - تعالى - قد يجيب الدُّعَاءَ إن شاء، وقد لا يجيبه.
فإن قيل : قوله :﴿ ادعوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [ غافر : ٦٠ ] يفيد الجَزْمَ بالإجابة، وهاهنا عَلَّقَ الإجابة على المشية، فيكيف يجمع بين الآيتين؟
فالجوابُ أن يقال : تَارَةً يَجْزِمُ سُبْحَانَهُ بالإجابة، وتارةً لا يجيب إمَّا بحسب المشيئة كما يقول أهل السُّنَّةِ، أو بحسب رعايَةِ المصلحة كما يقول المعتزلة، ولمَّا كان كلا الأمرين حَاصِلاً لا جَرَمَ وردت الآيتين على هذهين الوجهين.

فصل في أن أصل الدين هو الحجة


وهذه الآية من أقْوَى الدَّلائِلِ على أن أصل الدين هو الحُجَّةُ والدليل، لا يخصُّ التقليد؛ لأنه- تعالى - كان يقول لِعبدةِ الأوْثَانِ إذا كنتم ترجعون عند نزول الشدائد إلى الله لا إلى الأصنام والأوثان، فَلِمَ تقدمون على الأصنام التي لا تَنْتَفِعُونَ بعبادتها ألْبَتَّةَ، وهذا الكلامُ إنما يُفيدُ لو كان ذكرُ الدَّلِيلِ والحُجَّةِ مقبولاً، أمَّا لو كان مَرْدُوداً وكان الواجب التقليد كان هذا الكلام سَاقِطاً.


الصفحة التالية
Icon