ثم قرأ هذه الآية. ثم قال « أخَذْنَاهُم بَغْتَةً » : فُجَاءةً أين ما كانوا.
قال أهْلُ المعاني : وإنما أخذوا في حَالِ الرَّاحةِ والرَّخَاءِ ليكون أشَدَّ لِتحَسُّرِهِمْ على ما فَاتَهُمْ من حال السلامة والعَافِيَةِ، « فإذا هم مُبْلسون » آيِسُونَ من كُلِّ خيرٍ.
قال الفرَّاء : المُبْلسُ الذي انقطع رَجَاؤهُن ولذلك قيل للذي سكت عند انقطاع حُجَّتِهِ : قد أبْلِسَ.
وقال الزَّجَّاجُ : المُبْلسُ الشديد الحَسْرَةِ الحزين.
قوله :« فَقُطَعَ دَابِرُ » الجمهور على « فَقُطِعَ » مِبْنِيَّا للمفعولِ « دابرُ » مرفوعٌ به.
وقرأ عِكْرِمَةُ :« قطع » مبنياً للفاعل، وهو الله تعالى، « دَابِرَ » مفعول به، وفيه التَفَاتٌ، إذ هو خورج من تكلم في قوله :« أخَذْنَاهُمْ » إلى غَيْبَةٍ.
و « الدَّابِرُ » التَّابعُ من خَلْفٍ، يقال : دَبَرَ الوَلَدُ والِدَه، ودَبَرَ فلان القَوْمَ يَدْبُرُهُمْ دُبُوراً ودَبْراً.
وقيل : الدَّابرُ الأصْلُ، يقال : قَطَع اللَّهُ دَابِرَهُ، أي : أصله قاله الأصْمَعِيُّ، وقال أبُو عُبَيْدٍ « » دَابِرُ القوم آخِرُهُمْ «، وأنشدوا لأميَّة بن أبي الصَّلْتِ :[ البسيط ]
ومنه دَبَرَ السَّهْمُ الهَدَفَ، أي : سقط خَلْفَهُ.٢١٧٦- فاستُؤصِلُوا بِعَذَابٍ حَصَّ دَابِرَهُمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ صَرْفاً وَلاَ انْتَصَرُوا
وفي الحديث عن عبد الله بن مَسْعُودٍ » مِنَ النَّاسِ مَنْ لا يَأتِي الصَّلاةَ إلاَّ دُبريًّا «
أي : في آخر الوقت.
فصل في المراد بالآية
والمعنى أنَّ الله - تعالى - اسْتَأصَلَهُمْ العذاب، فلم يُبْقِ بَاقِيَةً.
و » الحمد لله رب العالمين «.
قيل : على هَلاّكِهِمْ.
وقيل : تعليمٌ للمؤمنين كيف يَحْمَدُونَهُ، حَمَدَ اللَّهُ نَفْسَهُ على أنْ قَطَعَ دَابِرَهُم؛ لأنه نِعْمَةٌ على الرُّسُلِ، فَذَكرَ الحمْدَ تَعْلِماً لهم، ولمن آمن بهم أن يَحْمَدُوا الله على كِفَايَتِهِ شَرَّ الظالمين، وليحمد محمد وأصحابه رَبَّهُمْ إذا أهلكنا المكذّبين.
وتضَمَّنَتْ هذه الآية الحُجَّة على وحوب ترك الظلم لما تعقَّب من قَطْعِ الدَّابرِ إلى العذابِ الدئام مع اسْتَحْقَاقِ القاطعِ للحمد من كل حَامِدٍ.