وقدَّره بعضهم « بإثْمِ قَتْلِي، وإثم معصِيَتك التي لم يُقبل لأجلها قُرْبَانك، وإثْم حسدك ».
وقيل : معناه إنِّي أريد أن تَبُوءَ بعقاب قَتْلي فتكون إرادة صَحِيحَة؛ لأنَّها موافقة لِحُكم الله - عزَّ وجلَّ-، ولا يكون هذا إرادة للقَتْل، بل لموجِبِ القتل من الإثْم والعِقَاب رُوِي أن الظَّالم إذا لم يَجِد يوم القِيَامة ما يرضي خَصْمَه، أُخِذَ من سيِّئَات المَظْلُوم وحمل على الظَّالم، فعلى هذا يَجُوز أن يُقَال : إنِّي أُريد أن تَبُوء بإثْمي في قَتْلِك، وهذا يَصْلُح جواباً.
قوله « فَطَوَّعَتْ » الجمهورُ على « طَوَّعَتْ » بتشديد الواو من غير ألف بمعنى « سَهلت وبعثت » أي : جَعَلْته سهلاً، تقديره : بعثت له نفسه أنَّ قتل أخيه طَوْعاً سهل عليه.
قال الزَّمَخْشَرِي :« وسَّعَتْه ويسَّرَتْه من طاعَ له المرْتَعُ إذ اتَّسع » انتهى.
وقال مجاهد : شجّعْتُه.
وقال قتادة : زيَّنْتُ له نفسه، والتَّضْعيف فيه للتَّعْدِية؛ لأنَّ الأصل : طَاعَ له قَتْلُ أخيه، أي : انْقَادَ من الطَّواعِية، فعُدّي بالتَّضعيف، فصار الفاعلُ مَفْعُولاً كحاله مع الهَمْزَة.
وقرأ الحسن، وزَيْد بن علي وجماعة كثيرة « فَطَاوعتْ »، وأبدى الزَّمَخْشَرِيُّ فيها احتِمَالَيْن :
أحدهما : أن يكُون ممَّا جاء فيه « فَاعَلَ » لغير مُشاركة بين شَيْئيْن، بل بمعنى « فَعَّل » نحو : ضَاعَفْتُه وضَعَّفْته، وناعَمْتُهُ ونَعَّمْتُه، وهذان المثالان من أمثلة سِيبويه.
قال :« فجاءوا به على مثال عاقَبْتُه ».
قال : وقد تجيء :« فاعَلْتُ » لا تريدُ بها عمل اثْنَيْن، ولكنَّهم بَنَوْا عليه الفِعْل كما بَنَوْه على « أفْعَلْتُ »، وذكر أمْثِلَة منها :« عَافَاهُ اللَّه »، وقَلَّ مَنْ ذكر أن « فَاعَل » يجيءُ بمعنى « فعّلْتُ ».
والاحتمال الثاني : أن تكون على بَابِهَا من المُشَاركة، وهو أنَّ قَتْل أخيه كأنه دَعَا نَفْسَه إلى الإقْدَام عليه فَطَاوعته انتهى.
وإيضاحُ العبارة في ذلك أنْ يُقَال : جعَل القَتْل يدعو إلى نفسه لأجل الحسد الذي لَحِقَ قَابِيل، وجعلت النَّفسُ تَأبى ذلك وتَشْمَئِزُّ منه، فكُلٌّ منهما - أعني القَتْلَ والنَّفْسَ - كأنه يريد من صاحِبِه أن يُطِيعَه إلى أن غَلَبَ القَتْلُ النَّفسَ فطاوعته، و « له » مُتعلِّق ب « طوَّعت » على القِرَاءتَيْن.
قال الزَّمَخْشَرِيُّ : و « له » لزيادة الرَّبْط، كقولك : حَفِظْتُ لزيْد ماله. يعني أنَّ الكلام تامٌّ بِنَفْسه.
ولو قيل : فَطَوَّعَتْ نفسُه قَتْل أخيه، كما كان كَذَلك في قولك « حَفِظْتُ مالَ زَيْد » فأتى بهذه « اللاَّم » لقوة رَبْط الكلام.
قال أبو البقاء : وقال قوم : طاوَعَتْ تتعدَّى بغير « لاَم »، وهذا خَطَأٌ؛ لأنَّ التي تتعدى بغير اللاَّم تتعدى لِمَفْعُول واحد، وقد عَدَّاهُ إلى قَتْلِ أخِيه.