قال سلمان، وخباب بن الأرت : فينا نزلت هذه الآية.
« جاء الأقْرَعُ بْنُ حِابِسٍ التَّمِيمِيُّ، وعُيَنْنَهُ بْنُ حِصْنٍ الفَرَارِيّ، وذووهم من المؤلَّفَةِ قُلوبُهُمْ فوجدوا النبي ﷺ قاعداً مع بلال، وصُهَيبن وعمَّار، وخبَّاب في ناسٍ من ضُعفاءِ المؤمنين، فلما رأوهم حوله حقروهم، فأتوه فقالوا : يا رسول الله لو جلست في صَدْرِ المسجد، ونَفَيْتَ عَنَّا هؤلاء وأرْوَاح جبَابِهِمْ، وكان عليهم جِبَابُ صُوفٍ ولم يكن عليهم غيرها، لجَالسْنَاكَ وأخذنا عَنْكَ، فقال رسول الله ﷺ : ما أنا بِطَاردٍ المؤمنين، قالوا : فإنَّا نُحِبُّ أن تَجْعَلَ لنا منك مَجْلِساً تعرفُ به العربُ فَضْلَنَا، فإن وُفُودَ العرب تَأتِيكَ، فَنَسْتَحْيِي أن تَرَانا العربُ مع هؤلاء الأعْبُدِ، فإذا نحنُ جئنا فأبْعدهم عَنَّا، فإذا نحنُ فَرَعْنَا فاقْعُدْ مَعَهُمْ إن شئت، فقال » نعم « طَمَعاً في إيمانهم.
قال : ثم قالوا : اكْتُبْ لنا عليْك بذلك كتاباً.
قال : فَدَعا بالصَّحِيفَةِ، ودعا عليَّا لِيَكْتُب، قال : ونحن قعود في ناحيةٍ، إذ نزل جبريل عليه السلام بقوله :﴿ وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُم ﴾ إلى قوله :» بِالشَّاكرين « فألقى رسول الله ﷺ الصحيفة من يَدِهِ، ثم دعانا فأتيناه وهو يقول » سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كتبَ ربُّكُمْ على نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ « وكنَّا نقعدُ معه حتى تَمَسَّ رُكْبَتُنَا رُكْبَتَهُ، فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا، فأنزل الله تعالى :﴿ واصبر نَفْسَكَ مَعَ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُم بالغداة والعشي يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾ [ الكهف : ٢٨ ] فترك القيام عَنَّا إلى أ، نقول عنه وقال :» الحَمْدُ للَّهِ الذي أمَرَنِي أنْ أصْبِرَ نَفْسِي مَعَ قومٍ من أمَّتِي معكُم المَحْيَا ومَعَكُم المَمَاتُ «.
فصل في بيان شبة الطاعنين في العصمة
احْتَجَّ الطَّاعنون في عِصْمَةِ الأنبياء بهذه الآية من وجوه :
أحدها : أنَّهُ - ﷺ - طَرَدَهُمْ، والله - تعالى - نَهَاهُ عن ذلك، فكان ذَنْباً.
وثانيها : أنه - تعالى - قال ﴿ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظالمين ﴾ وقد ثبت أنه طَرَدهُمْ.
وثالثها : أنَّهُ - تعالى - حَكَى عن نُوح أنه قال :﴿ وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ المؤمنين ﴾ [ الشعراء : ١١٤ ] ثم إنه تعالى - أمر مُحَمَّداً - ﷺ - بمُتَابَعَةِ الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - في جميع الأعمال الحَسَنَةِ بقوله :﴿ فَبِهُدَاهُمُ اقتده ﴾ [ الأنعام : ٩٠ ] فوجب على محمد - ﷺ - ألاَّ يَطْرُدهُمْ [ فلما طردهم ] كان ذلك ذَنْباً.
ورابعها : أنه قال :﴿ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحياة الدنيا ﴾ [ الكهف : ٢٨ ] وقال :﴿ وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الحياة الدنيا ﴾ [ طه : ١٣١ ].
فنهاه عن الالْتِفَاتِ إلى زينةِ الحياة الدُّنيا، فكان ذَنْباً.
وخامسها : أن أولئك الفُقَراء كانوا كُلَّمَا دخلوا إلى رسول الله ﷺ بعد هه الواقعة يقول :