وقوله :« مِنْ حِسَابِهِمْ » قالوا :« مِنْ » تَبْعِيضيَّةٌ، وهي في محل نَصْبٍ على الحال، وصاحبُ الحالِ هُو « مِنْ شيء » ؛ لأنها لو تأخرت عنه لكانت صِفَةً له، وصفة النكرة متى قُدِّمَتْ انْتَصَبَتْ على الحالِ، فعلى هذا تتعلَّقُ بمحذوف، والعاملُ في الحال الاسْتِقْرَارُ في « عليك »، ويجوز أن يكون « مِنْ شَيْءٍ » في مَحَلِّ رفع بالفاعلية، ورافعه « عليك » لاعتماده على النفي، و « مِن حِسَابِهِمْ » حالٌ أيضاً من « شيء » العاملُ فيها الاستقرار والتقديرُ : ما اسْتَقَرَّ عليك شَيءٌ من حسابهم.
وأُجيز أن يكون « مِنْ حِسَابِهِمْ » هو الخَبَر : إمَّا ل « ما »، وإمَّا للمبتدأ، و « عليك » حالٌ من « شيء »، والعَامِلُ فيها الاسْتِقَرارُ، وعلى هذا فيجوز أن يكون « من حِسَابِهِمْ » هو الرفاع للفاعل على ذاك الوَجْهِ، و « عليك حالٌ أيضاً كما تقدَّمَ تقريره، وكون » مِنْ حِسَابِهِمْ « هو الخبر، و » عليكط هو الحَلُ غير واضح؛ لأن مَحَطَّ الفائدة إنما هو « عَليْكَ ».
قوله :﴿ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْء ﴾ كالذي قبله، إلاَّ أنَّ هنا يَمْتَنَعُ بَعْضُ ما كان جَائِزاً هناك، وذلك أن قوله :« مِنْ حِسَابِكَ » لا يجوز أن يَنْتَصِبَ على الحال؛ لأنه يلزم تَقّدُّمُهُ على عامله المعنوي، وهو ممتنعٌ، أو ضعيف لا سيَّمَا وقدْ تقدَّمتْ هنا على العامل فيها، وعلى صاحبها، وقد تقدَّم أنَّ الحالَ إذا كانت ظَرْفاً أو حرف جرِّ كان تقديمها على العامل [ المعنوي ] أحْسَنُ منه إذا لم يكن كذلك، فحينئذٍ لك أن تجعل قوله :« من حِسابِكَ » بياناً وقد تقدَّم خطابه - عليهالصَّلاة والسلام- في الجملتين تَشْريفاً له، ولو جاءت الجملة الثَّانية على نَمَطِ الأولى لكان التركيب « وما عليهم من حِسَابِكَ من شيء » فتقدَّمَ المجرور ب « على » كما قدَّمه في الأولَى، لكنه عَدَلَ عن ذلك لما تقدَّمَ.
وفي هاتين الجمتلين ما يسميه أهل البَديعِ : رَدَّ الأعْجَاز على الصدور، كقولهم :« عَادَات السَّادَات سادات العادات » ومثله في المعنى قول الشاعر :[ الطويل ]

٢١٨٠- وَلَيْسَ الَّذِي حَلِّلْتَهُ بِمُحَلَّلٍ وَلَيْسَ الَّذي حَرَّمْتَهُ بِمُحَرَّمِ
وقال الزمخشري - بعد كلام قدَّمَهُ في معنى التفسير- : فإن قلت : أما كفى قوله :« ما عليك من حسابِهِمْ من شيء » حتى ضَمَّ إليه :﴿ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْء ﴾ ؟


الصفحة التالية
Icon