فصل فيما يطلق عليه لفظ « السلام »
قال المبرِّد : السَّلامُ في اللغة على أربعة أشياء :
فمنها سلمت سلاماً، وهو معنى الدعاء.
ومنها أنه أسْمٌ من أسْمَاء اللَّهِ تعالى.
ومنها الإسْلام.
ومنها الشَّجَرُ العظيم أحْسَبُهُ مُسَمَّى بذلك لسلامتِهِ من الآفَاتِ.
ومنها أيضاً اسم للحِجَارَةِ الصَّلْبَةِ، وذلك أيضاً لسَلامتِهَا من الرَّخَاوَةِ.
ثم قال الزجَّاج :« سلام عليكم » ها هنا يحتمل أن يكون له تأويلان :
أحدهما : أن يكون مَصْدر : سَلَّمت تسليماً وسلاماً، مثل « السَّراح » من « التَّسْرِيح »، ومعنى سلمت عليه سلاماً : دعوت بأن يَسْلَمَ من الآفات في دينِهِ ونَفْسِهِ، والسَّلامُ بمعنى التَّسْلِيم.
والثاني : أن يكون « السَّلامُ » جَمْعَ « السلامة »، فمعنى قولك : السَّلامُ عليكم : السَّلامةُ عليكم.
وقال ابن الأنباري : قال قومٌ : السلامُ هو الله تعالى، فمعنى السَّلامُ عليكم [ يعني الله عليكم ] أي : على حفظكم، وهذا بَعِيدٌ في هذه الآية لتنكير السَّلامِ، ولو كان مُعَرَّفاً لصحَّ هذا الوَجْهُ.
فصل في الكلام على « السلام »
قال قوم : إنَّه - تعالى لمَّا أمَرَ الرسول - ﷺ - بأن يقول لهم :« سلامٌ عَليْكُمْ كَتَبَ ربُّكُمْ على نَفْسِهِ الرَّحْمَة » كان هذا من قول الله فَيَدُلُّ على أنه - تعالى- قال لهم في الدُّنْيَا : سلامٌ عليكم كتب ربُّكم على نفسه الرحمة.
ومنهم من قال : بل هذا كلامِ الرَّسُولِ ﷺ.
فصل في معنى « كتب »
كتب كذا [ على فلان ] يفيد الإيجاب، أي : بمعنى قَضَى، وكلمة « على » أيضاً تُفيدُ الإيجابَ، ومجموعهما مُبالغة في الإيجاب، وهذا يقتضي كونه - تعالى - راحماً لِعِبَادِهِ على سبيل الوُجُوبِ، واختلفوا في ذلك الوجوب؟
فقال أهْلُ السُّنَّةِ : له - سُبْحَانهُ وتعالى - أن يتصرَّفَ في عبادِهِ كَيْفَ شَاءَ وأراد إلاَّ أنه أوجب الرَّحْمَة على نَفْسِهِ على سبيل الفَضْلِ والكرم.
وقالت المعتزلةُ : إنّ كونه عالماً بِقُبْحِ القَبَائح، وعالماً بكونه غنيّاً عَنْهَا يمنعه من الإقْدامِ على القَبَائِحِ، ولو فعله كان ظَالِماً، والطُّلْمُ قَبِيحٌ، والقُبْحُ منه مُحَالٌ.
فصل في الدلالة في الآية
دلَّتْ هذه الآية على جواز تسمية ذاتِ الله - تعالى - بالنفسن أيضاً قوله تعالى :﴿ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ﴾ [ المائدة : ١١٦ ] يَدُلُّ عليه، والنَّفْسُ هنا بمعنى الذَّاتِ والحقيقة، لا بمعنى الجِسْمِ، والدَّمِ؛ لأنه - تعالى - مُقدَّسٌ عَنْهُ؛ لأنه لوك ان جِسْماً لكان مُرَكَّباً، والمُرَكَّب ممكن.
وأيضاً إنه أحَدٌ لا يكون مُرَكَّباً، وما لا يكون مركباً لا يكون جسماً.
وأيضاً الأجْسَامُ متماثلةٌ في تمام الماهية، فلو كان جِسْماً لحصل له مِثْل، وذلك بَاطِلٌ؛ لقوله تعالى :﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ [ الشورى : ١١ ].
فصل في دحض شهب المعتزلة
قال المعتزلة :« كَتَبَ ربُكُمْ على نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ » يُنَافِي كونه تعالى يخلق الكُفْرَ في الكَافِرِ، ثم يُعَذِّبُهُ عليه أبَد الآبَادِ، وينافي أن يقال : إنه يمنعه من الإيمان، ثم يأمره حال ذلك المَنْعِ بالإيمان، ثم يعذبه على ذلك.