قال شهاب الدين : قوله :« ويجوز » ليس بجيِّدٍ، بل كان ينبغي أن يقول : ويجب؛ لأنه لا بُدَّ من ضميرٍ عائدٍ على المبتدأ من الجملة الخبرية، أو ما يقوم مُقَامَهُ إن ليم كن نفس المبتدأ.
وأمَّا القراءةُ الثالثة : فيُؤخَذُ فتْحُ الأولى وكَسْرُ الثانية مما تقدَّم من كسرها وفتحها بما يليق من ذلك نفس المبتدأ.
وأمَّا القراءة الرابعة : فكذلك.
وقال أبو شامة :« وأجاز الزَّجَّاج كَسْرَ الأولى، وفَتْحَ الثانية، وإن لم يقرأ به ».
قال شهاب الدين : وقد قدَّمْتُ أنَّ هذه قراءة الأعرج وأن الزهراوي وأبا عمرو الدَّاني نقلاها عنه، فكأن الشَّيْخً لم يَطَّلِعُ عليها.
وتقدَّم أن سيبويه لم يَرْو عن الأعْرَجِ إلاَّ كقارءاة نافعٍ فهذا مما يصلح أن يكون عُذْراً للزَّجَّاج، وأمَّا أبو شَامَةَ فإنه مُتَأخرٌ، فعدم اطِّلاعِهِ عَجيبٌ.
و « الهاء » في « أنه » ضمير الأمر والقِصَّةِ، و « مَنْ » يجوز أن تكون شرطيَّة، وأن تكون موصولة، وعلى كل تقدير فهي مُبْتَدَأةٌ، و « الفاءُ » ما بعدها في محلِّ جَزْم جواباً إن كانت شرطاً، وإلاَّ ففي محلِّ رفعٍ خبراً إن كانت موصُولة، والعائدُ محذوفٌ، أي : غفورٌ له.
و « الهاء » في « بعده » يجوز أن تعود على « السُّوء »، وأن تعود على العمل المفهوم من الفعل كقوله :﴿ اعدلوا هُوَ أَقْرَبُ ﴾ [ المائدة : ٨ ] والأوَّل أوْلَى؛ لأنه أصْرَحُ، و « منكم » مُتعلِّقٌ بمحذوفٍ إذ هو حالٌ من فاعل « عمل »، ويجوز أن تكون « مِنْ » للْبَيَانِ، فيعمل فيها « أعني » مقدراً.
وقوله :« بجهالةٍ » فيه وجهان :
أحدهما : أنه مُتَعلِّق ب « عمل » على أن « الباء » للسَّبَيَّة، أي : عمله بسبب الجَهْلِ، وعبَّر أبو البقاء في هذا الوجه عن ذلك بالمفعول به وليس بواضحٍ.
والثاني : وهو الظَّاهِرُ أنه للحالِ، أي : عمله مُصَاحباً للجَهَالَةِ، « ومِنْ » في « مِنْ بعده » لابتداء الغاية.
فصل في تحرير معنى الآية
قال الحسنُ : كل من عمل مَعْصِيَةً فهو جَاهِلٌ، ثُمَّ اختلفُوا؛ قال مُجاهد : لا يعلمُ حلالاً من حرامٍ فمن جهالته ركب الأمر. وقيل جاهلٌ بما يورثه ذلك الذَّنْبُ.
وقيل : جهالتُهُ من حيث إنهخ آثر المَعْصِيَةَ على الطَّاعةِ، والعاجل القليل على الآجل الكثير، ثُمَّ تاب من بعد ورجع عن ذنْبِهِ، وأصلح عمله.
قيل : وأخْلَصَ توْبَتَهُ فإنه غفورٌ رحيمٌ.