وقيل : يعلم كم انقلبت ظَهراً لبطنٍ إلى أن سقطتْ على الأرض ].
قوله :« ولا حَبَّةٍ » عطف على لفط « وَرقة »، ولو قرئ بالرفع لَكانَ على الموضع والمراد : الحب المعروف في بطُونِ الأرض.
وقيل : تحت الصَّخْرَةِ في أسفل الأرضين و « في ظلمات » صِفَةٌ ل « حَبّة ».
قوله :﴿ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِس ﴾ مَعْطُوفانِ أيضاً على لَفْظ « ورقة »، وقرأهما ابن السَّمَيْفَعِ، والحسن، وابن أبي إسْحَاق بالرفع على المَحَلِّ، وهذا هو الظاهر ويجوز أن يكونا مبتدأين، والخبر قوله :« إلاَّ في كتابٍ مُبينٍ ».
ونقل الزمخشري أن الرَّفْعَ في الثلاثة أعني قوله « ولا حبَّةٍ ولا رطبٍ ولا يابسٍ » وذكر وَجْهَيِ الرفع المتقدمين، ونظر الوجه الثاني بقولك : لا رجل منهم ولا امرأة إلا في الدار.
قال ابن عبَّاس : المراد ب « الرطب » الماء، و « اليابس » البادية.
وقال عطاء : يريد ما نَبَتَ وما لا يَنْبُتُ.
وقيل : ولا حَيّ ولا مَوَات.
وقيل : هو عبارة عن كل شيء.
قوله :« إلاَّ فِي كتابِ مُبين » في هذه الاسْتِثْنَاءِ غُمُوضٌ، فقال الزمخشري : وقوله « إلاَّ في كتابٍ مُبينٍ » كالتكرار لقوله :« إلاَّ يَعْلَمُهَا » لأن معنى « إلاَّ يَعْلَمُهَا » ومعنى « إلاَّ في كتابٍ مُبينٍ » واحد.
و « الكتاب » علم الله، أو اللَّوْحُ، وأبرزه أبو حيَّان في عبارة قريبة من هذه فقال :« وهذا الاسْتِثْنَاءُ جارٍ مُجْرى التوكيد، لأن قوله » ولا حبَّةٍ « » ولا رطب « » ولا يابس « معطوف على » مِنْ ورقَةٍ «، والاسْتِثْنَاءُ الأول مُنْسَحِبٌ عليها، كما تقول : ما جاءني من رجل إلا أكرمته، ولا امرأة، فالمعنى إلاَّ أكرمتها، ولكنه لما طال الكلام أعيد الاستثناء على سبيلِ التوكيد، وحسَّنه كونه فاصلة » انتهى.
وجعل صاحب « النظم » الكلام تامَّا عند قوله :« وَلاَيَابِس »، ثم اسْتَأنَفَ خبراً آخر بقوله :« إلاَّ في كتابٍ مُبين » بمعنى : وهو في كتاب مُبين أيضاً، قال : لأنك لو جعلت قوله : إلاَّ فِي كتابٍ مُبينٍ « مُتصلاً بالكلام الأوَّلِ لفسد المعنى، وبيان فساده في فَصْلٍ طويل مذكور في سورة » يونس « في قوله :﴿ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذلك ولاا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾ [ يونس : ٦١ ].
قال شهابُ الدِّين : إنما كان فاسد المعنى من حيث اعقد أنه اسْتِثْنَاءٌ آخر مستقل، وسيأتي كيف فَسَادُهُ.
أمَّا لو [ جعله ] اسْتِثْنَاءً مؤكّداً للأول، كما قاله الزمخشري لم يَفْسُدِ المعنى.
وكيف يُتَصَوَّرُ تمام الكلام على قوله تعالى :» ولا يَابِسٍ « ويبتدأ ب » إلاَّ «، وكيف تقع » إلاَّ « هكذا؟
وقد نَحَا أبو البقاء لشيء مما قاله الجُرْجَانِيُّ، فقال :» إلاَّ فِي كتابٍ مبين « أي : إلاَّ هو في كتابٍ مُبين، ولا يجوز أن يكون اسْتِثْنَاء يعمل فيه » يعلمها « ؛ لأن المعنى يصير : ومَا تَسْقُطُ لم يكُنْ إلاَّ في كتاب، وجب أن يعلمها في الكتاب، فإذن يكون الاسْتِثْنَاءُ الثاني بدلاً من الأوَّلِ، أي :» وما تَسْقُطُ من ورقةٍ إلاَّ هي في كتاب، وما يعلمها إلاَّ هُوَ « انتهى.