[ ق : ١٨ ].
وأمَّا في الأفعال، فلقوله تعالى :﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [ الانفطار : ١٠-١٢ ].
وأمَّا الإيمان والكُفْرُ، والإخلاصُ والإشراك فلم يَدُلَّ دليل على اطِّلاعِ الملائكة عليها.
فصل في فائدة توكيل الملائكة علينا
وفي فائدة جَعْلِ الملائكة مُوَكّلين على بين آدم وجوه :
أحدها : أنَّ المُكَلَّفَ إذا علم أن الملائِكَة مُوَكلين به يُحْصُون عليه عمله، ويكتبونه في صَحِيفَةٍ تُعْرَضُ على رؤوس الاشهاد في مواقف القِيَامَةِ كان ذلك أزْجَرَ له عن القَبَائِحِ.
والثاني : يحتمل ا، تكون الكِتابةُ لفائدة وَزْنِ تلك الصَّحائِفِ يوم القيامة؛ لأن وَزْنَ الأعمال غير مُمْكِنٍ، أمَّا وزنُ الصحائف ممكن.
وثالثها : يَفْعَلُ اللَّهُ ما يشَاءُ، ويحكم ما يريد، ويجب علينا الإيمانُ بكل ما ورد به الشرع، سواءَ عقلناه أم لم نعقله.
قوله :﴿ حتى إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ الموت ﴾ تقدَّم مثله.
وقوله :« تَوَفَّتْهُ » قرأ الجمهور « تَوَفَّتْهُ »، ماضياً بتاء التأنيث لتأنيث الجمع.
وقرأ حمزة :« تَوَفَّاهُ » من غير تاء تأنيث، وهي تحتمل وجهين.
أظهرهما : أنه ماضٍ، وإنما حذفَ تاء التأنيث لوجهين :
أحدهما : كونه تأنيثاً مجازياً.
والثاني : الفَصْلُ بين الفِعْلِ وفاعله بالمفعول.
والثاني : أنه مضارع، وأصله : تَتَوَفَّاهُ بتاءين، فحذفت إحداهما على خلافٍ في أيَّتهما ك « تَنَزَّلُ » وبابه، وحمزة على بابه في إمالة مثل هذه الألف.
وقرأ الأعمش :« يَتَوَفَّاهُ » مُضارعاً بياء اليغَيْبَةِ اعتباراً بكونه مؤنثاً مجازياً، أوْ للفَصْلِ، فهو كقراءة حَمْزَةَ في الوجْهِ الأوَّل من حيث تذكير الفعلِ وكقراءته فغي الوَجْهِ الثاني من حيث إنه أتى به مُضَارعاً.
وقال أبو البقاء :« وقرئ شاذاً » « تَتَوفَّاهُ » على الاسْتِقْبَالِ، ولم يذكر بياء ولا تاء.
فصل في بيان أن الوفاة من الله
قال الله تعالى :﴿ الله يَتَوَفَّى الأنفس حِينَ مِوْتِهَا ﴾ [ الزمر : ٤٢ ]
وقال :﴿ الذي خَلَقَ الموت والحياة ﴾ [ تبارك : ٢ ] وهذان النَّصانِ يَدُلاَّنِ على أنَّ توفي الأرواح ليس إلاَّ من اللَّهِ.
وقال تعالى :﴿ قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الموت الذي وُكِّلَ بِكُمْ ﴾ [ السجدة : ١١ ] وهذا يقتضي أن الوفاة لا تحصلُ إلاَّ من ملك الموت.
وقال في هذه الآية :« تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا »، فهذه النصوص الثلاثة كالمُتَنَاقضة.
والجوابُ : أن التَّوَفِّي في الحقيقة إنما حَصَلَ بِقُدْرَةِ الله تعالى، وهو في الظاهر مُفَوَّضٌ إلى مَلَكِ الموت، وهو الرئيس المُطْلَق في هذا الباب، وله أعْوَانٌ وخدمٌ فَحَسُنَتْ إضافة التَّوَفِّي إلى هذه الثلاثة بحسبِ الاعتبارات الثلاثة.
وقيل : أراد بالرُّسُلِ ملك الموت وحده، وذكر الواحد بلفظ الجمع.
وجاء في الأخبار أنَّ اللَّه - تعالى - جعل الدُّنْيَا بين يدي مَلَكِ الموت كالمائدةِ الصَّغيرة، فَيَقْبِضُ من هاهنا، ومن هاهنا، فإذا كَثُرَت الأرواح يدعو الأرواح فتيجيب له.
فصل في بيان أن الحفظة لا شأن لهم بالموت
قال بعضهم : هؤلاء الرُّسُلُ الذين يَتَوفَّون الخلْقَ هم الحفظةُ بحفظونه في مُدَّةِ الحياة، وعند مجيء الموْتِ يِتوفَّوْنَهُ، والأكثرون على أنَّ الحفظةَ غير الذين يَتَولَّونَ الوفاة.