قوله :« ويُذيْقَ » نَسَقٌ على « يِبْعَث »، والإذاقَةُ اسْتِعَارةٌ، وهي فاشية :﴿ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَر ﴾ [ القمر : ٤٨ ]، ﴿ ذُقْ إِنَّكَ ﴾ [ الدخان : ٤٩ ]، ﴿ فَذُوقُواْ العذاب ﴾ [ الأنعام : ٣٠ ].
وقال :[ الوافر ]
٢١٩٢- أذَقْنَاهُمْ كُئُوسَ المَوْتِ صِرْفاً | وَذَاقُوا مِنْ أسِنَّتِنَا كُئُوسَا |
قوله :﴿ انظر كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيات لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُون ﴾
قال القاضي : هذا يَدُلُّ على أنه - تعالى أراد بتصريف الآيات، وتقرير هذه البيِّنات أن يفهم الكل تلك الدلائل، ويفقه الكل تلك البيِّنات.
وأجيب بأن ظاهِرَ الآية يَدُلُّ على أنه- تعالى - ما صرَّف هذه الآيات إلا لمن فقه وفهم، فأما من أعْرَضَ وتمرَّدَ فهو تعالى ما صرَّف هذه الآيات لهم.
قوله تعالى :﴿ وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الحق قُل لَّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ﴾
قوله :« وكذَّبَ بِهِ » « الهاء » في « ربه » تعود على العذاب المُتقدِّمِ في قوله :« عذاباً مِنْ فَوقِكُمْ » قال الزمخشري.
وقيل : تعود على القُرْآنِ.
وقيل : تعود على الوعيد المتضمن في هذه الآيات المتقدمة.
وقيل : على النبي ﷺ وهذا بعيد؛ لأنه خُوطبَ بالكاف عقِيبَهُ، فلو كان كذلك لقال : وكذب به قومك، وادَّعاءُ الالتفات فيه أبْعَدُ.
وقيل : لا بد من حَذْفِ صِفَةٍ هنا، أي : وكذب به قومك المُعَانِدُونَ، أو الكافرون؛ لأن قومه كلهم لم يُكَذِّبُوهُ، كقوله :﴿ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ﴾ [ هود : ٤٦ ] أي الناجين، وحذف الصفة وبقاء الموصوف قليل جداً، بخلاف العكس.
وقرأ ابن أبي عبلة :« وكذَّبت » بتاء التأنيث، كقوله تعالى :﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ ﴾ [ الشعراء : ١٠٥ ]، ﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ ﴾ [ الشعراء : ١٦٠ ] باعتبار الجماعة.
قوله :« وهُوَ الحقُّ » في هذه الجملة وجهان :
الظاهر منهما : أنها استتئناف.
والثاني : أنها حالٌ من « الهاء » في « به »، أي : كذبوا به في حالِ كونه حقَّا، وهو أعظم في القبح.
والمعنى أن الضمير في « به » للعذاب، فمعنى كونه حقَّا لا بد أن ينزل بهم، وإن عاد إلى القرآن، فمعنى كونه حقّا، أي : كتاب منزل من عند الله، وإن عاد إلى تصريف الآيات أي : أنهم كذَّبوا كون هذه الأشياءِ دلالاتٍ، وهو حق.
قوله :« عَلَيْكُمْ » مُتعلِّقٌ بما بعده، وهو توكيد، وقدم لأجل الفواصِلِ، ويجوز أن يكون حالاً من قوله :« بِوَكِيلٍ » ؛ لأنه لو تَأخَّرَ لجاز أن يكون صفة له، وهذا عند من يُجِيزُ تقديم الحال على صاحبها المجرور بالحرف، وهو اختيار جماعةٍ، وأنشدوا عليه :[ الخفيف ]
٢١٩٣- غَافِلاً تَعْرضُ المَنِيَّةُ لِلْمَرْءِ | فَيُدْعَى وَلاتَ حينَ إبَاءُ |
٢١٩٤- لَئِنْ كَانَ بَرْدُ المَاءِ هَيْمَانَ صَادِياً | إليَّ حَبِيباً إنَّهَا لَحَبِيب |
٢١٩٥- فَإن يَكُ أذْوَادٌ أصِبْنَ ونِسْوَةٌ | فَلَنْ يَذْهَبُوا فَرْغاً بِقَتْلِ حِبَالِ |