وقيل : على « الدّين » أي : الذي يجب عليهم أن يَتَداينُوا، ويعتقدوا بصحته.
وقيل : هذا ضمير يفسره ما بعده، وسيأتي إيضاحه.
قوله :« أنْ تُبْسَلَ » في هذا وجهان :
المشهور- بل الإجماع- على أنه مفعول من أجْلِهِ، وتقديره : مَخَافَة أن تُبْسَلَ، أو كاراهة أن تُبْسَلَ أو ألاَّ تبسل.
والثاني : قال أبو حيَّان بعد أن نقل الاتِّفاقَ على المفعول من أجله :« ويجوز عندي أن يكون في موضع جرِّ على البدلِ من الضمير، والضمير مفسّر بالبَدَلِ، ويضمر الإبْسَالُ لما في الإضمار من التَّفْخيمِ، كما أضمروا ضمير الأمْرِ والشَّأنِ، والتقدير : وذكِّرْ بارتهان النفوسن وحبسها بما كسبت، كما قالوا :» اللهم صَلِّ عليه الرءوف الرحيم «، وقد أجاز ذلك سيبويه؛ قال : فإن قلت : وضربوني قومك، نَصَبْتَ إلا في قول من قال :» أكلوني البراغيث « أو تحمله على البَدَل من المضمر.
وقال أيضاً : فإن قلت :» ضربين وضربتهم قومك، رفعت على التقديم والتأخير إلا أن تجعل هاهنا البدلن كما جعلته في الرفع «. انتهى.
وقد روي قوله :[ الطويل ]٢٢٠٠-............ | ........ فاسْتَاكَتْ بِهِ عُودِ إسْحِل |
بجر » عُود « على البدل من الضمير.
قال شهاب الدين : أما تفسير الضمير غير المرفوع بالبدل، فهو قول الأخفش، وأنشد عليه هذا العَجُزَ وأوله :[ الطويل ]٢٢٠١- إذَا هِيَ لَمْ تَسْتَك بِعُودِ أرَاكَةٍ | تُنُخِّلَ فَاسْتاكَتْ بِهِ عُودِ إسْحِلِ |
والبيت لطُفَيْلٍ الغَنَوِيّ، يروى برفع » عُود «، وهذا هو المشهور عند النُّحَاةِ، ورفعه على إعمال الأول، وهو » تُنُخِّلَ «، وإهمال الثاني وهو » فَاسْتَاكَتْ «، فأعطاه ضميره، ولو أعمله لقال :» فاستاكت بعود إسحل «، ولا يكن لانكسار البيت، والرواية الأخرى التي استشهد بها ضعيفة جداً لا يعرفها أكثر المُعْرِبينَ، ولو استشهد بما لا خلاف عليه فيه كقوله :[ الطويل ]٢٢٠٢ - عَلَى حَالَةٍ لَوْ أنَّ فِي القَوْمِ حَاتِماً | عَلَى جُودِهِ لَضَنَّ بالمَاءِ حَاتِمِ |
بجر » حاتم « بدلاً من الهاء في » جوده «، والقوافي مجرور لكان أوْلَى.
والإبْسَالُ : الارتهان، ويقال : أبْسَلْتُ ولدي وأهلي، أي أرْتَهَنْتُهُمْ؛ قال :[ الوافر ]٢٢٠٣- وإبْسِالِي بَنِيَّ بِغَيْرِ جُرْمٍ | بَعَوْنَاهُ ولا بِدّمٍ مُرَاقِ |
بَعَوْنَا : جَنَيْنَا والبَعْوُ : الجِنَاية.
وقيل : الإبْسَالُ أن يُسْلِمَ الرجل نفسه للهَلَكَةِ وقال الراغب :» البَسْلُ : ضَمُّ الشيء ومنعه، ولتَضَمُّنِهِ معنى الضَّمِّ استعير لتَقَطُّبِ الوَجْهِ، فقيل : هو باسل ومُبْتسلٌ الوجه، ولتضمينه معنى المنع قيل للمُحَرَّم والمرتهن : بَسْلٌ «، ثم قال : والفرقُ بين الحرام والبَسْل أنَّ الحرام عام فيما كان ممنوعاً منه بالقَهْرِ والحكم، والبَسْلُ هو الممنوع بالقَهْرِ، وقيل للشجاعة : بَسَالَة؛ إما لما يوصف به الشجاع من عنُبُوس وَجْهِهِ، ولأنه شديد البُسُورَةِ يقال بسر الرجل إذا استد عبوسه، وقال تعالى :﴿ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ﴾ [ المدثر : ٢٢ ] فإذا زاد قالوا بَسَلَ، أو لكونه محرماً على أقرانه، أو لأنه يَمْنع ما حَوْزتِهِ، وما تحت يده من أعدائه والبُسْلَةُ، أجْرَةُ الرَّاقِي مأخوذة من قول الرَّاقي : أبْسَلْتُ زيداً؛ أي : جَعَلْتُهُ مُحَرَّماً على الشيطان، أو جعلته شجاعاً قويَّا على مُدافعتِهِ، و » بَسَل « في معنى » أجَلْ « و » بَسْ «.