قال أبو حيَّان : وهذا الذي استدركه بقوله :« اللهم إلا » إلى آخره هو الذي أراده الزَّجَّاج بعينه، وهو « أن أقيموا » معطوف على « أن نسلم »، وأن كليهما عِلَّةٌ للمأمور به المحذوف، وإنما قلق عند ابن عطية؛ لأنه أراد بقاء « أن أقيموا » على معناها من موضوع الأمر، وليس كذلك؛ لأن « أنْ » إذا دخلت على فعل الأمر، وكانت المصْدَرِيَّةَ انْسَبَكَ منها ومن الأمر مصدر، وإذا انْسَبَكَ منهما مصدر زال معنى الأمر، وقد أجاز النحويون سيبويه وغيره أن تُوصَلَ « أن » المصدرية الناصبة للمضارع بالماضي والأمر.
قال سيبويه : وتقول : كتبت إليه بأن قم، أي بالقيام، فإذا كان الحكم كذا كان قوله :« لنسلم » و « أن أقيموا » في تقدير الإسلام ولإقامة الصلاة، وأما تشبيه ابن عطيَّة له بقوله : ادخلوا الأوَّل فالأول : بالرفع، فليس بتشبيهح لأن ادخلوا لايمكن لو أزيل عنه الضمير أن يتسلَّطَ على ما بعده، بخلاف « أنْ » فإنها تُوصَلُ بالأمرِ، فإذن لا شبه بينهما انتهى.
أما قول أبي حيَّان :« وإنما قلق عند ابن عطية؛ لأنه أراد بقاء » أنْ أقيموا « على معناها من موضوع الأمر »، فليس القلقُ عنده لذلك ققط كما حصره الشيخ، بل لأمر آخر من جهة اللفظ، وهو أن السِّيَاقَ التَّرْكِيبِيَّ يقتضي لعى ما قاله الزجاج أن يكون « لنسلم وأن نقيم »، فتأتي في الفعل الثاني بضمير المتكلم، فلما لم يقل ذلك قلق عنده، ويدلُّ على [ ما ذكرته ] قول ابن عطية :« بمعنى : ولنقم ثم خرجت بلفظ الأمر » إلى آخره.
والخامس : أنه مَحْمُولٌ على المعنى؛ إذا المعنى قيل لنا : أسْلِمُوا وأن أقيموا.
وقال الزجاج : فإن قيل : كيف حَسُنَ عطف قوله :« وأن أقيموا الصلاة واتقوه » على قوله « وأمِرْنَا لِنُسلمَ لِرَبِّ العالمينَ » ؟
فالجواب من وجهين :
الأول : أن يكون التقدير : وأمرنا لنسلم لرب العالمين، ولأن نقيم الصلاة.
الثاني : أن يكون التقدير : وأمرنا فقيل لنا أسلموا لربِّ العالمين، وأقيموا الصَّلاة.